31 أكتوبر 2017
قوى "الاعتدال" العربي تخدم اليمين الصهيوني
بما يتّسق مع السمت العام لشخصيته، اختار وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن يوبّخ ممثلي الدول العربية الذين يلتقونه في الخفاء بدفء وحميمية، ويتجاهلونه عندما يلتقيهم علناً. ففي كلمته أمام طلاب من مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات، الأسبوع الماضي، والتي اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية بمضمونها، أنذر ليبرمان المسؤولين العرب الذين يلتقونه وزملاءه سراً بأن إسرائيل لا يمكنها أن توافق على تواصل "الدبلوماسية السرية"، ودعاهم إلى التواصل علناً مع إسرائيل. وبلهجة لا تخلو من الصلف والعنجهية، قال: "شبعت قليلاً مع هذه اللقاءات، ويتوجب أن نتوقف عن الاتفاقات السرية". وواصل تضييق الخناق على قادة الدول العربية "المعتدلة"، فأوضح أن ممثلي هذه الدول لا يسدون لإسرائيل في الواقع معروفاً، بل إن العلاقات السرية مع تل أبيب تخدم، أيضاً، مصالح أنظمة الحكم في هذه الدول، بسبب تعدد مواطن التقاء مصالحهم مع تل أبيب. ولكي يدلّل على ما ذهب إليه، أوضح ليبرمان أن لكل من إسرائيل وأنظمة "الاعتدال" في العالم العربي مصلحة في مواجهة إيران، وجماعة الإخوان المسلمين والحركات "السنية المتطرفة"، بحسب تعبيره.
وما يلفت، بشكل خاص، في كلمة ليبرمان، تشديدها على أن ممثلي الدول العربية الذين يهتمون بلقائه في الخفاء لا يرون في الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية مشكلة حقيقية. بالتالي، هو يرى أنه في وسع إسرائيل الاستعاضة حالياً عن المفاوضات مع ممثلي منظمة التحرير بمفاوضات مع ممثلي الدول العربية "السنية المعتدلة"، تنتهي بـ"تسوية إقليمية"، تقوم على تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، خصوصاً. وبعد ذلك، يمكن مناقشة الصراع مع الفلسطينيين. إنها المرة الأولى التي يتطوع فيها مسؤول إسرائيلي بارز لتأكيد حدوث لقاءات سرية مع ممثلي دول عربية، لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وواضح أن الرسائل التي تضمنتها كلمة ليبرمان موجهة، أساساً، للرأي العام الإسرائيلي والرأي العام العالمي. فللإسرائيليين، يريد ليبرمان أن يقول إن تهافت ممثلي الدول العربية على اللقاءات السرية مع ممثلي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني يضفي صدقية على الخط الأيدولوجي والسياسي والدعائي لليمين الصهيوني المتطرف من الصراع مع الفلسطينيين. ومن الواضح أن إسهاب ليبرمان في إبراز عمق واتساع اللقاءات السرية مع ممثلي دولٍ خليجية، خصوصاً، يأتي لصد حملة انتقاداتٍ لاذعةٍ، توجهها نخب إعلامية وأكاديمية وفكرية إسرائيلية لحكومته، وتحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بسبب إصرارها على الاستمرار في الاستيطان والتهويد.
ولا شك أن ليبرمان يريد أن يقول للإسرائيليين إن مظاهر الدفء في العلاقات الخفيّة مع دول عربية، في وقت تتوسّع فيه إسرائيل في الاستيطان والتهويد، وتصرّ على تبني سياسات متطرفة تجاه الفلسطينيين يعكس العوائد الإيجابية للرهان على خيار القوة، والذي تتشبث به حكومته. وفي الواقع إن زعم ليبرمان أن المسؤولين العرب الذين يلتقيهم في الخفاء يؤكدون أن المشكلة الفلسطينية لا تهمهم، لا يمثل جديداً. فقد سبقه مالكوم هولنين، من قادة منظمة "إيباك"، كبرى منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذي ادعى أن جميع القادة العرب الذين التقاهم أكدوا له أنهم "قد ضاقوا ذرعاً بالقضية الفلسطينية" (هارتس، 1/2/2014). لكن النخبة الإسرائيلية الحاكمة، التي يمثلها ليبرمان، تقدم لامبالاة النظام الرسمي العربي تجاه القضية الفلسطينية على أنها من مظاهر التحول في البيئة الإقليمية، والتي باتت تسمح لإسرائيل مواصلة استراتيجية تكريس الوقائع على الأرض، بما يتماشى مع الخط الأيدولوجي لليمين الصهيوني المتطرف. فتواصل اللقاءات السرية بين ممثلي دول عربية وإسرائيل يعني أن حكومات هذه الدول لا ترى مشكلة في سلسلة مشاريع القوانين التي يعكف عليها نواب اليمين، وضمنهم نواب حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده ليبرمان، وتهدف إلى تفعيل السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتقاسم مواعيد الصلاة فيه بين اليهود والمسلمين، وصولاً إلى نقل الإشراف على الحرم القدسي، من دائرة الأوقاف إلى وزارة الأديان الإسرائيلية.
ويدلّ السلوك الرسمي العربي، كما يصوّره ليبرمان، على أن الدعوات التي يطلقها زملاء ليبرمان في الحكومة والكنيست لضم مناطق "ج" التي تمثل أكثر من 60% من الضفة الغربية لإسرائيل، لا تثير حساسية النظام السياسي العربي. وبالتالي، لا داعي للتردد في وضعها موضع التنفيذ. وفي الوقت نفسه، يريد ليبرمان من حديثه غير المسبوق عن اللقاءات السرية مع ممثلي الدول العربية، محاصرة الانتقادات الدولية لسياسات حكومته. فليبرمان يقول في الواقع إنه لا يمكن للعالم أن يكون "ملكاً أكثر من الملك"؛ فإن كانت سياسات حكومته تجاه الفلسطينيين لا تؤثر سلباً على تواصل اللقاءات الحميمية مع ممثلي الدول العربية، فالأجدر ألا تثير حنق غيرهم وغضبهم. ومما يثير المرارة أن بعض نُخَب اليمين المتطرف في إسرائيل وظّفت بالفعل ما كشف عنه ليبرمان من لقاءات مع ممثلي "الاعتدال" العربي في مهاجمة قوى تقف خلف حملة المقاطعة الدولية على إسرائيل "BDS"، فقد اتهمت هذه بـ"معاداة السامية". وليبرمان الذي سمح لنفسه بتوبيخ قادة معسكر "الاعتدال" في العالم العربي، واستبدّ به الصلف إلى حد التعبير عن زهده في مواصلة اللقاءات معهم، هو نفسه الذي دعا يوماً إلى تدمير السد العالي في مصر، وهدد بضرب غزة بالنووي، وسخر مراراً من "بدائية" العرب. ويصفه المعلق الإسرائيلي، بن كاسبيت، بأنه الذي ارتبط أكثر من أي قائد إسرائيلي آخر بالتقليل من شأن العرب، وتحقيرهم علناً، واستسهال المسّ بهم.
قصارى القول، إن كان ثمة أحد معنياً بالوقوف على أسباب تعاظم قوة اليمين في إسرائيل، وانزياح المجتمع الصهيوني نحو جنون التطرف، فلا شك أن تهافت ممثلي دول عربية على الانفتاح على الحكومة الأكثر يمينية أحد هذه الأسباب.
وما يلفت، بشكل خاص، في كلمة ليبرمان، تشديدها على أن ممثلي الدول العربية الذين يهتمون بلقائه في الخفاء لا يرون في الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية مشكلة حقيقية. بالتالي، هو يرى أنه في وسع إسرائيل الاستعاضة حالياً عن المفاوضات مع ممثلي منظمة التحرير بمفاوضات مع ممثلي الدول العربية "السنية المعتدلة"، تنتهي بـ"تسوية إقليمية"، تقوم على تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، خصوصاً. وبعد ذلك، يمكن مناقشة الصراع مع الفلسطينيين. إنها المرة الأولى التي يتطوع فيها مسؤول إسرائيلي بارز لتأكيد حدوث لقاءات سرية مع ممثلي دول عربية، لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وواضح أن الرسائل التي تضمنتها كلمة ليبرمان موجهة، أساساً، للرأي العام الإسرائيلي والرأي العام العالمي. فللإسرائيليين، يريد ليبرمان أن يقول إن تهافت ممثلي الدول العربية على اللقاءات السرية مع ممثلي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني يضفي صدقية على الخط الأيدولوجي والسياسي والدعائي لليمين الصهيوني المتطرف من الصراع مع الفلسطينيين. ومن الواضح أن إسهاب ليبرمان في إبراز عمق واتساع اللقاءات السرية مع ممثلي دولٍ خليجية، خصوصاً، يأتي لصد حملة انتقاداتٍ لاذعةٍ، توجهها نخب إعلامية وأكاديمية وفكرية إسرائيلية لحكومته، وتحميلها المسؤولية عن فشل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بسبب إصرارها على الاستمرار في الاستيطان والتهويد.
ولا شك أن ليبرمان يريد أن يقول للإسرائيليين إن مظاهر الدفء في العلاقات الخفيّة مع دول عربية، في وقت تتوسّع فيه إسرائيل في الاستيطان والتهويد، وتصرّ على تبني سياسات متطرفة تجاه الفلسطينيين يعكس العوائد الإيجابية للرهان على خيار القوة، والذي تتشبث به حكومته. وفي الواقع إن زعم ليبرمان أن المسؤولين العرب الذين يلتقيهم في الخفاء يؤكدون أن المشكلة الفلسطينية لا تهمهم، لا يمثل جديداً. فقد سبقه مالكوم هولنين، من قادة منظمة "إيباك"، كبرى منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذي ادعى أن جميع القادة العرب الذين التقاهم أكدوا له أنهم "قد ضاقوا ذرعاً بالقضية الفلسطينية" (هارتس، 1/2/2014). لكن النخبة الإسرائيلية الحاكمة، التي يمثلها ليبرمان، تقدم لامبالاة النظام الرسمي العربي تجاه القضية الفلسطينية على أنها من مظاهر التحول في البيئة الإقليمية، والتي باتت تسمح لإسرائيل مواصلة استراتيجية تكريس الوقائع على الأرض، بما يتماشى مع الخط الأيدولوجي لليمين الصهيوني المتطرف. فتواصل اللقاءات السرية بين ممثلي دول عربية وإسرائيل يعني أن حكومات هذه الدول لا ترى مشكلة في سلسلة مشاريع القوانين التي يعكف عليها نواب اليمين، وضمنهم نواب حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده ليبرمان، وتهدف إلى تفعيل السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتقاسم مواعيد الصلاة فيه بين اليهود والمسلمين، وصولاً إلى نقل الإشراف على الحرم القدسي، من دائرة الأوقاف إلى وزارة الأديان الإسرائيلية.
ويدلّ السلوك الرسمي العربي، كما يصوّره ليبرمان، على أن الدعوات التي يطلقها زملاء ليبرمان في الحكومة والكنيست لضم مناطق "ج" التي تمثل أكثر من 60% من الضفة الغربية لإسرائيل، لا تثير حساسية النظام السياسي العربي. وبالتالي، لا داعي للتردد في وضعها موضع التنفيذ. وفي الوقت نفسه، يريد ليبرمان من حديثه غير المسبوق عن اللقاءات السرية مع ممثلي الدول العربية، محاصرة الانتقادات الدولية لسياسات حكومته. فليبرمان يقول في الواقع إنه لا يمكن للعالم أن يكون "ملكاً أكثر من الملك"؛ فإن كانت سياسات حكومته تجاه الفلسطينيين لا تؤثر سلباً على تواصل اللقاءات الحميمية مع ممثلي الدول العربية، فالأجدر ألا تثير حنق غيرهم وغضبهم. ومما يثير المرارة أن بعض نُخَب اليمين المتطرف في إسرائيل وظّفت بالفعل ما كشف عنه ليبرمان من لقاءات مع ممثلي "الاعتدال" العربي في مهاجمة قوى تقف خلف حملة المقاطعة الدولية على إسرائيل "BDS"، فقد اتهمت هذه بـ"معاداة السامية". وليبرمان الذي سمح لنفسه بتوبيخ قادة معسكر "الاعتدال" في العالم العربي، واستبدّ به الصلف إلى حد التعبير عن زهده في مواصلة اللقاءات معهم، هو نفسه الذي دعا يوماً إلى تدمير السد العالي في مصر، وهدد بضرب غزة بالنووي، وسخر مراراً من "بدائية" العرب. ويصفه المعلق الإسرائيلي، بن كاسبيت، بأنه الذي ارتبط أكثر من أي قائد إسرائيلي آخر بالتقليل من شأن العرب، وتحقيرهم علناً، واستسهال المسّ بهم.
قصارى القول، إن كان ثمة أحد معنياً بالوقوف على أسباب تعاظم قوة اليمين في إسرائيل، وانزياح المجتمع الصهيوني نحو جنون التطرف، فلا شك أن تهافت ممثلي دول عربية على الانفتاح على الحكومة الأكثر يمينية أحد هذه الأسباب.