باتَ المخيّم العشوائي للمهاجرين في منطقة "كاليه"، الواقع على الحدود الشمالية مع بريطانيا، أشبه بكابوس يقضّ مضجع فرنسا، بعدما وصل عدد القاطنين فيه إلى نحو ستّة آلاف شخص، غالبيتهم من دول القرن الأفريقي، بالإضافة إلى أفغانستان وسورية والعراق. هؤلاء يعيشون في ظروف قاسية، علماً أن بينهم نساء وأطفال.
وفي وقت تبدو الحكومة عاجزة عن حلّ أزمة هذا المخيّم، تتعالى الأصوات المطالبة بتدخل سريع وحاسم لتوفير شروط عيش كريمة للقاطنين فيه. في هذا السياق، نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عريضة وقع عليها 800 باحث وأكاديمي وكاتب وناشط وفنان وشاب جامعي، ندّدت بالوضع المأساوي في المخيم. وقالت إنه يضم نساء وأطفال ورجال أنهكوا خلال رحلتهم. وعلى الرغم من ذلك، يعيشون في بيوت من صفيح ، وبالكاد يحصلون على الطعام، علماً أنه ليس هناك مرافق صحية تقيهم من الأمراض المعدية. أضاف الموقعون على العريضة أن "الدولة تخلت عن واجباتها، وتركت مهمّة الاهتمام بالمهاجرين للجمعيات الإنسانية. وهذا عار على بلاد تصّنف سادس أغنى دولة في العالم". أيضاً، دانت العريضة انتهاكات القوى الأمنية بحق المهاجرين، وتعرض بعض النساء للاغتصاب.
هذه العريضة تزامنت مع نشر تقرير للجنة حقوقية أشرف عليها الوزير السابق والنائب اليميني جاك توبون، حول الأوضاع في المخيم، خلص إلى أن هناك "انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية"، استناداً إلى تحقيقات ميدانية أجريت خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، بهدف الاطلاع على الأوضاع المعيشية داخل المخيم، وكيفية تعامل السلطات مع المهاجرين. ولفت إلى أن "هؤلاء لا يتمتعون بحقوق الإنسان الأساسية، علماً أن شعار فرنسا هو مبادئ حقوق الإنسان".
وتابع توبون أن مجمل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة قبل نحو لتسوية أوضاع المخيم بقيت حبراً على ورق، وأن إعلان وزارة الداخلية أخيراً مضاعفة القدرة الاستيعابية لمركز الإيواء في "كاليه" لن يتحقّق قبل مارس/آذار المقبل.
هذا التقرير دفع وزير الداخلية برنار كازنوف إلى الذهاب للمرة الثامنة منذ تعيينه إلى المخيم، للتخفيف من حدة الانتقادات المتعلقة بفشل الحكومة في التعاطي مع هذه القضية. وأعلن عن إجراءات جديدة لتحسين ظروف العيش في المخيم، وإن كانت غير كافية حتى الساعة. وما زاد من متاعب الحكومة الاشتراكية أن مخيم "كاليه" يقع في إقليم "كاليه"، الذي ترشحت فيه زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف لرئاسة الإقليم مارين لوبان. وتخشى الحكومة استغلال لوبان الضجة الإعلامية المتعلقة بالمخيم واستياء سكان الإقليم للفوز برئاسته، ما قد يشجعها لاحقاً على تعزيز حظوظها في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017.
وكانت الحكومة الاشتراكية قد حاولت بشتى الطرق تسوية الأوضاع في المخيم، لكنها تجد صعوبة كبيرة بسبب تدفق المزيد من المهاجرين خلال الأشهر الأخيرة، غالبيتهم سوريون وعراقيون وأفغان التحقوا بمئات الإريتريين والسودانيين، الذي يقيم بعضهم منذ ثمانية أشهر في خيام وبيوت عشوائية على الرغم من انعدام المرافق الصحية وحلول فصل الشتاء وتساقط أمطار غزيرة أغرقت المخيم في الوحل. ويصر هؤلاء على محاولة العبور إلى الأراضي البريطانية بأي ثمن، سواء عبر التسلل من نفق المانش الذي يعبره قطار أوروستار، أو الاختباء في الشاحنات التي تنطلق من مرفأ كاليه باتجاه بريطانيا، على الرغم من خطورتها، علماً أنها أودت بحياة 16 مهاجراً منذ 26 يونيو/حزيران الماضي فقط.
استقرار مؤقّت
يقول المدير العام لمنظمة "فرنسا أرض اللجوء" بيار هنري إن المسؤولين السياسيين الفرنسيين تجاهلوا المخيّم العشوائي في كاليه طوال 14 عاماً، لافتاً إلى أن الحل يتطلّب إرادة أوروبية وبريطانية صادقة. ويرى مراقبون أن تنامي المشكلة يرتبط بتشديد الحراسة عند الحدود البريطانية ـ الفرنسية، ما يجعل المهاجرين يستقرون في المخيم قبل التسلل إلى بريطانيا أو تسوية أوضاعهم في فرنسا.
اقرأ أيضاً: "الغابة الجديدة".. مأساةُ الحالمين باللجوء إلى بريطانيا