تدخل أزمة تراكم النفايات في محافظتَي بيروت وجبل لبنان شهرها الثاني اليوم، بعد انتهاء عقد شركة "سوكلين" المكلّفة بجمع النفايات ومعالجتها في المحافظتَين، وإقفال مطمر الناعمة جنوب بيروت في 17 يوليو/تموز الماضي. واتخذت الأزمة أشكالاً عدة، تطوّرت في بعض الأحيان إلى احتكاكات ما بين القوى الأمنية والمواطنين المُعترضين على رمي نفايات المُحافظتين في أراضي بلداتهم. وقد سيطرت الأجواء الضبابية على المناطق التي خنقتها انبعاثات النفايات المحروقة، وعلى اجتماعات "لجنة النفايات" التي شكّلها رئيس الحكومة تمام سلام.
وكان أبرز ما صدر عنها "صرف مكافآت مالية للبلديات التي توافق على استقبال جزء من نفايات المحافظتَين في نطاقها البلدي". وهو ما أعدّته مصادر بيئية متابعة، "محاولة رشوة من الحكومة للبلديات في مقابل نقل النفايات غير المفروزة إليها"، بالتالي نقل المشاكل الصحية والبيئية المترتّبة عن عملية النقل هذه إلى البلدات. وأتى هذا الطرح الحكومي بعد دعوة وزير البيئة محمد المشنوق البلديات، إلى "تحمل مسؤولياتها واستقبال حصص من نفايات المُحافظتين، بسبب عدم إمكانية استحداث مطامر فيهما نظراً لقلة الأراضي".
واستكملت الحكومة خلال شهر من عمر الأزمة إجراء المناقصات التي تنصّ عليها خطة النفايات التي أقرّتها مطلع العام الحالي، وذلك بعد عزوف شركة "سوكلين" وغيرها من الشركات عن التقدّم بعروض جديدة لجمع النفايات ومُعالجتها في المحافظتَين. يُذكر أن الخطة الحكومية القائمة على إنشاء معامل لحرق النفايات تلقى معارضة بيئية واسعة تمثّلها "الحركة البيئية اللبنانية".
ويشير رئيس الحركة بول أبي راشد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى "وجود سوء نية مباشرة عند الحكومة المتهمة بخلق حالة هلع بين المواطنين، وبإيجاد مكبات عشوائية للنفايات في مُختلف البلديات اللبنانية بدل تأمين مراكز تخزين نفايات تمهيداً لمعالجتها في مراكز الفرز والتسبيخ". وهي خطة مرحليّة قدّمتها الحركة البيئية كحلّ مؤقت، مع وجود خطة متكاملة لمعالجة النفايات في لبنان بشكل مستدام من خلال "الفرز من المصدر"، الأمر الذي يقلل كمية النفايات التي تحتاج إلى المعالجة يومياً، من ثلاثة آلاف طن إلى 1800 طن في بيروت وجبل لبنان.
إلى ذلك، رصدت حملة "طلعت ريحتكم"، وهي حملة شعبية انطلقت للاعتراض على إدارة الحكومة لملف النفايات، استحداث 17 مكباً عشوائياً للنفايات، بعضها في الغابات والوديان وبعضها الآخر بالقرب من شاطئ البحر في عقارات داخل مرفأ بيروت، بالإضافة إلى عقارات ملاصقة لمطار بيروت الدولي. ويشير الناشطون في الحملة إلى صعوبة إحصاء عدد المكبّات بشكل دقيق، بسبب "طمر بعضها بالرمال لإخفائها. وتعمد سوكلين التي تعاقدت معها بلدية بيروت بشكل مستقلّ، إلى نقل النفايات في ساعات الفجر الأولى لتجنّب ملاحقتها".
وقد نشرت الحملة عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، صوراً وتسجيلات لأطنان من النفايات المرمية في مناطق خارج بيروت، وفي بحنّس (جبل لبنان) بالقرب من مستشفى للأمراض الرئوية والجهاز التنفسي. كذلك، كانت للبلدات الجنوبية وبلدات إقليم الخروب حصّتها من الهلع، بالرغم من إعلان عشرات البلديات رفضها استقبال أي كمية إضافية من النفايات على أراضيها. وقد تظاهر أهالي إقليم الخروب وقطعوا الطريق الرئيسي الذي يربط بيروت بالجنوب لمنع استحداث مطامر أو مكبّات بالقرب من منازلهم. كذلك رُصدت عشرات الشاحنات التي تنقل النفايات إلى مناطق في شمال لبنان، لا سيّما المنية في طرابلس ومنطقة سرار في محافظة عكار. وقد عمد المواطنون في هذه المناطق إلى مصادرة الشاحنات وركنها أمام البلديات. ولم تحُل هذه الاعتراضات دون انتقال تلال النفايات التي كانت
مكدّسة في بيروت وتوزيعها في المناطق المجاورة من دون خطة حكوميّة واقعية للحل.
"الخيارات موصدة"
كلّ الخيارات موصدة بشأن ملفّ النفايات حتى الساعة، ونحن على شفير كارثة صحيّة كبيرة وكلّ شيء مهدّد، من الهواء إلى المياه والغذاء". هذا ما أعلنه وزير الصحة العامة في لبنان وائل أبو فاعور، في خلال مؤتمر صحافيّ عقده أمس الاثنين. وشدّد على أن "الوزارة سوف تقدّم الإرشادات (اللازمة) للتعامل مع الأزمة، وسوف نشدّد الرقابة على المؤسسات الغذائيّة والصحيّة".
اقرأ أيضاً: النفايات تُغرق بيروت