صنعاء، إسطنبول، طرابلس– محمد راجح، عدنان عبدالرزاق، أحمد الخميسي
جاءت جائحة كورونا لتزيد أوجاع عشرات الملايين من المواطنين في الدول العربية التي فيها اضطرابات، وهي اليمن وسورية وليبيا والعراق، إذ أصبحت هذه الدول مهدّدة بتوسيع دائرة الجوع ونقص الغذاء.
اليمن
في ظل حرب طاحنة لا تزال مستمرة تسببت بمعاناة مباشرة لنحو 22 مليون يمني بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية أو توفير أي نوع من الحماية، منهم 12 مليوناً يواجهون خطر المجاعة الشاملة، يهدّد فيروس كورونا بتبعات اقتصادية كارثية تجعله عبارة عن حرب أخرى إضافية فُرضت على اليمنيين، بحسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
ويواجه اليمن حالياً كارثة ثلاثية تتمثل في الصراع والاقتصاد المتدهور وفيروس كورونا، إذ تسببت الكارثة الأولى والثانية في فقدان اليمنيين مصادر دخلهم وجعل نسبة كبيرة منهم يعيشون على وجبتين فقط في اليوم، بينما تهدد الكارثة الثالثة فقدانهم ما تبقى من الوجبات في الوقت الذي كان كثير منهم يكافح لاستعادة الوجبة الثالثة.
ويعاني حوالي 360.000 طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهذه أرقام عالية وحرجة تضع اليمن في المركز الأول على خريطة أزمات الغذاء في العالم، متأثرة بعدد من العوامل المحركة المرتبطة بتداعيات الصراع وأزمات الاقتصاد والتغيرات المناخية.
ويقول رئيس بنك الطعام اليمني، محمد الأنسي، لـ "العربي الجديد"، إن الأزمة الإنسانية تتخطى حدود الإمكانات المتاحة مع وجود 22 مليون جائع في اليمن، في حين فاقم فيروس كورونا المعاناة الإنسانية في بلد وضعته الحرب الدائرة منذ ما يزيد على خمس سنوات على حافة المجاعة الشاملة، وهو ما يحتم تغيير وتطوير منظومة التدخلات الإنسانية بحيث تركز على تصميم برامج ومشاريع توفر فرص عمل للناس في عموم المناطق اليمنية.
وفي الوقت الذي بدأ فيه فيروس كورونا بالانتشار بشكل واسع في معظم المدن اليمنية وبدلاً من حشد الجهود لمكافحته والحد من تأثير تبعاته الاقتصادية المدمرة، فاجأت دولتا التحالف الجميع، كما يؤكد الخبير الاقتصادي، بشير وازع، الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، بتأجيج صراع بين الأطراف المكونة للشرعية ودعم "الانتقالي" المدعوم إماراتياً للتمرد على الحكومة الشرعية وتقويض وجودها في عدن ونهب الأموال ونشر الفوضى وبالتالي تفاقم معاناة الناس وتفشي الأزمات المعيشية.
سورية
يعاني الاقتصاد السوري أزمات خانقة منذ خمس سنوات، أوصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 80% وزادت نسبة الفقر عن 90%، إثر سياسات النظام السوري وحربه على الثورة والعقوبات الاقتصادية المفروضة منذ عام 2011، ليأتي وباء كورونا مطلع العام الجاري، فيزيد من مآسي السوريين وينذر بمجاعة أشار إليها برنامج الأغذية العالمية التابع للأمم المتحدة قبل أيام. وقالت المتحدثة باسم البرنامج، إليزابيث بايرز، إن 9.3 ملايين سوري يفتقرون إلى الغذاء الكافي، بعد موجة الغلاء هذا العام وارتفاع الفقراء 1.4 مليون هذا العام.
وبحسب مصادر إعلامية سجلت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، خلال يونيو/ حزيران الماضي، 146 حالة إصابة بفيروس "كورونا المستجد" (كوفيد- 19)، ما يرفع العدد الإجمالي إلى 269 حالة.
وزادت الإغلاقات وآثار "كورونا" من شلل الاقتصاد السوري، فتوقفت السياحة الداخلية والخدمات وتعطّل الإنتاج، بعد توقف نظام بشار الأسد عن تمويل المستوردات وتثبيت الأجور عند 50 ألف ليرة، بواقع زيادة إنفاق الأسرة عن 500 ألف ليرة.
ويقول الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح لـ"العربي الجديد": "وصل إفقار السوريين لتقنين الخبز وتوزيعه عبر "البطاقة الذكية" كما اضطر سوريون لبيع الممتلكات للاستمرار على قيد الحياة في ظل تفشي كورونا".
ويزيد مخاطر المجاعة بسورية غلاء الدواء ونفاده من الصيدليات، بحسب ما يقول الطبيب إبراهيم شحود لـ"العربي الجديد"، خاصة بعد توقف النظام عن تمويل مستوردات الأدوية والمواد الداخلة بصناعتها ورفع دولار المستوردات من 700 إلى 1250 ليرة.
ليبيا
في ليبيا زادت جائحة كورونا من مصاعب الليبيين الذي يعيشون في أوضاع صعبة بسبب تواصل الصراع بين الفرقاء منذ فترة طويلة.
المواطن خليفة التوهامي يؤكّد أنه ينتظر المنحة الشهرية لصندوق الإنماء الاقتصادي لما يعرف بالأسر المحرومة من الثروة منذ أربع سنوات دون جدوى، وليس له أي مصدر دخل حاليا بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ويقول التوهامي لـ"العربي الجديد" إنه كان يعمل سائق شاحنة في إحدى شركات المقاولات ولكنها توقفت بسبب جانحة كورونا ولديه أسرة مكونة من خمسة أشخاص أعمارهم تتراوح ما بين سبع سنوات إلى 20 سنة.
ومن أمام منزله الذي حطمته الحرب بجنوب العاصمة الليبية طرابلس، يقول المواطن علي بن عيسى لـ"العربي الجديد" إن معاناته المعيشية زادت بسبب جانحة كورونا وارتفاع أسعار السلع الضرورية، فضلاً عن الأزمات المعيشية المرحلة من سنوات سابقة كنقص السيولة بالمصارف التجارية وأزمات البنزين وغاز الطهو.
وخصصت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، مبلغ 500 مليون دينار لمكافحة الوباء، إلا أنها ليست كافية، بحسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وقال المحلل الاقتصادي علي الصلح إن المؤشرات الاقتصادية لوضع البلاد خطيرة جداً، مع استمرار الانقسام الحكومي في البلاد، مضيفاً أن البلاد تستورد معظم احتياجاتها من الخارج.
وأضاف الصلح أن الأمن الغذائي في ليبيا أصبح مهدداً في ظل جائحة كورونا، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي بالبلاد وتوقف تصدير النفط وانكماش الاقتصاد.
ومن جانبه، أكد المحلل الاقتصادي أبو بكر الهادي أن معدلات الفقر تزداد يومياً في ليبيا البالغ عدد سكانها 7.3 ملايين نسمة، موضحا أن الأزمات المعيشية ستتزايد بسبب شلل القطاع الخاص نتيجة تفشي كورونا. وتوقع ارتفاع الفقر إلى 44%.
العراق
تنذر جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات حظر التجول في عموم مدن العراق، والضرر الذي أصاب القطاع الخاص بالتزامن مع انهيار أسعار النفط ودخول البلاد في أزمة مالية خانقة تسببت بتعثر دفع مرتبات المتقاعدين والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية باتساع رقعة الفقر في البلاد.
وبات مشهد الأرصفة التي يعرض عليها العراقيون أثاثهم أو حاجيات من منازلهم لبيعها مألوفاً، خاصة في بغداد ومدن شمال وغربي البلاد المنكوبة أصلاً بفعل الحرب الطاحنة التي شهدتها تلك المناطق في العامين الماضيين، بما يعيد إلى الأذهان صورة الأوضاع التي عاشها العراقييون في تسعينيات القرن الماضي بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلاد عقب حرب الخليج.
وحول الموضوع قال المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العالم بشكل عام والعراق بشكل خاص بسبب انتشار جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية، أدت إلى تزايد نسبة الفقر في العراق من 20 – 34 % ومن المتوقع أن ترتفع أكثر من ذلك لكن بنسب محدودة".
وأوضح أن "عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر في العراق يقدّر بنحو مليوني أسرة عراقية لم تتقاضَ أي مبالغ حكومية من الدولة وليس لديها مصدر رزق ثابت وتضررت بشكل كبير جراء أزمة كورونا، متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة ما بين 5 -6 أشخاص، ما يعني أنّ نحو 10 إلى 12 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في العراق".