"في كرة القدم أحيانًا تفوز وأحيانًا لا، والآن سنلعب مباراة أمام خيتافي وسنلعب من أجل الفوز، وبعدها سندرس الوضع". كانت هذه تصريحات إيميليو بوتراجينيو، مدير العلاقات العامة في الريال، حينما سئل حول مستقبل الإيطالي أنشيلوتي داخل العاصمة مدريد، بعد الخروج بدون أي بطولة خلال عام 2015 بعد النجاحات الواضحة بالموسم الماضي. لتستمر كرة القدم خلال السنوات الأخيرة في وضع اللوم الكامل على أي مدرب في حالة الخسارة، وكارلو هو المدان هذه المرة.
ريال أنشيلوتي
ريال مدريد أنشيلوتي، نموذج غير ثوري على المستوى التكتيكي، لكنها محاولة جادة وناجحة في سبيل الوصول إلى صيغة النادي السوبر، الذي يجلب أكبر قدر ممكن من النجوم، مع مدرب يعرف كيف يتعامل معهم وأين يوظفهم، بالإضافة إلى لعب قوي وخشن، وذكاء في التعامل مع المباريات، مع وجود أسماء قادرة على اللعب المنظم المهاري، لذلك كان لديهم عدة أسلحة تساعدهم في حسم المباريات الكبيرة والمصيرية.
أنشيلوتي رجل براغماتي، فشل في قراءة النوتة الموسيقية في بداياته، لكن تتلمذه على يد العرّاب أريجو ساكي أفاده كثيراً كلاعب ثم كمدرب، وجعله أكثر نضجاً على المستوى الفني والتكتيكي، وبالتالي قدم نفسه مؤخراً كمدير فني يُدرك جيداً من أين تؤكل البطولات مع الفرق الكبيرة، وكانت "العاشرة" المدريدية في 2014 أروع مقطوعاته الفنية على الإطلاق.
لكن أتت الرياح بما لا تشتهيه سفينة الملكي، ووقع كارلو وفريقه في المحظور خلال عام 2015، وخرج خالي الوفاض من كل البطولات في فترة زمنية قليلة للغاية، رغم أن كل التوقعات كانت تقوده لبطولة أو اثنتين على الأقل في يناير/كانون الثاني الماضي، وأصبح المدرب الإيطالي قريباً من حمل الليلة بأكملها، ومرشحاً للخروج بعيداً عن جنة سانتياجو برنابيو.
ديزني مدريد
ينقل ويلسون تصريحات قديمة للمدير العام لريال مدريد، السيد خوسيه أنخيل سانشيز، الذي تحدث بكل صراحة عن قيمة وأهمية ريال مدريد في الكرة الأوربية قائلاً، "نحن نادٍ مختلف، نقدم منتخباً ومحتوى مغايرين لما ينتهجه المنافسون. وكما يجب أن تكون أفلام ديزني ممتعة ورائعة وإلا لن يذهب أحد إلى السينما، فإن ريال مدريد ملزم بتقديم كرة جميلة، وإلا لن يذهب الكثيرون إلى برنابيو، ولن نتوسع أكثر في أحلامنا وأفكارنا التي تتناسب مع الإمبراطورية الاقتصادية لريال مدريد داخل القارة الأوروبية".
وكما لا يُطلب من ميكي ماوس ودونالد دك أمور غير الترفيه، فإن على كريستيانو رونالدو، جاريث بيل، خايمس رودريجز، والبقية أن يكونوا مجموعة رائعة من الأفراد، ويُنتج الفريق كرة فائزة مع هذا الكم الهائل من النجوم الكبار، بعيداً عن أي نظرة فلسفية أو عقد تكتيكية مطولة.
تُبرر تصريحات خوسيه أنخيل جانباً مهماً جداً من سياسة الإدارة المدريدية، حيث توجد عوامل أخرى مهمة غير كرة القدم، عن التسويق، المال، والاسم التجاري العالمي. تنطلق أفكار مدراء "الميرينغي" من هذه الزوايا المالية، أما كرة القدم فهي بمثابة الوسيلة للوصول إلى الغاية الاقتصادية، وهذا السبب كان وراء استقالة أريجو ساكي في 2005 من منصبه كمدير رياضي في ريال مدريد، حينما قال إن كرة القدم لم تعد المرجعية الوحيدة في مدريد.
جوزيه وكارلو
جاء جوزيه مورينيو محملاً بأحلام شريحة عريضة من جماهير الريال، من أجل كسر سطوة برشلونة والحصول على دوري أبطال أوروبا، الحلم الأكبر في كل وقت داخل قلعة سانتياجو برنابيو. وبعيداً عن تقييم تجربة البرتغالي مع الملكي، فإن الرجل الخاص اصطدم بالتابوهات المدريدية الثابتة في أكثر من مناسبة، لذلك زادت المشاكل بينه وبين معظم أعضاء الإدارة، ودبّ الصراع داخل غرفة الملابس تجاه أكثر من لاعب.
استمر المدرب الشهير ثلاث سنوات، لكنه لم يقدر على المواصلة وقرر الطرفان إنهاء العلاقة بالتراضي، حتى حضور كارلو أنشيلوتي، الرجل الذي يناسب تطلعات بيريز. مدير فني كبير، اسم فائز بدوري الأبطال من قبل، لاعب سابق مميز، ومدرب قادر على وضع أكبر ترسانة من النجوم في تشكيلة واحدة، وهذا ما يبحث عنه فلورنتينو منذ زمن قديم.
"نريد نظاماً تكتيكياً يضم كريستيانو، بيل، وبنزيمة في خط الهجوم، مع عدم التضحية بأنخيل دي ماريا، مودريتش، وألونسو أيضاً"، هذه فحوى الرسالة الأولى التي وصلت أنشيلوتي، وعلى أثرها صنع الإيطالي الخبير توليفة فنية رفيعة المستوى، باستخدام الريشة اللاتينية دي ماريا كجناح مركزي، يبدأ المباراة في العمق وسرعان ما يتحول إلى الرواق الأيسر كجناح.
ووصل الريال إلى العاشرة نتيجة المزج بين خطتي 4-3-3 / 4-4-2 في قالب واحد، عن طريق ثنائية "لوكا-ألونسو" في الارتكاز، وإعطاء الحرية الكاملة لأنخيل في الصعود للهجوم، وتحول رونالدو إلى مركز المهاجم الحر بجوار الفرنسي بنزيمة، وبعد الفوز بالملعونة، توقع الجميع استمرار نفس الكتيبة مع بعض الإضافات، لكن حدثت التغييرات الغريبة، ورحل دي ماريا وألونسو بعيداً عن العاصمة.
الفعل أم رد الفعل؟
استقدم بيريز رودريجز بمبلغ فلكي، وجاء كروس من بايرن ميونخ، ولم يتمسك أبداً بالثنائي أنخيل وتشابي، ووافقه كارلو أنشيلوتي على قراراته، ودخل ريال مدريد الموسم الجديد بخطة أقرب إلى 4-4-2 بوضع الألماني إلى جانب الكرواتي في المنتصف، ودعم الأجنحة بالثنائي بيل ورودريجز، مع تواجد كريستيانو وكريم في المثلث الهجومي الأخير. واستمرت النجاحات والعروض القوية حتى نهاية العام الماضي، ومنذ العودة إلى إسبانيا بكأس العالم للأندية، والريال في كوارث وصدمات لا نهاية لها.
بكل تأكيد الإصابات لها دور، فلوكا مودريتش ليس له بديل حقيقي في المنتصف، رغم وجود أياراميندي، خضيرة، ولوكاس سيلفا الوافد الجديد. ورغم قوة تهديف الكولومبي رودريجز، فإنه غير قادر أبداً على القيام بدور دي ماريا أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم، لأن خايمس يُبدع أكثر في الهجوم، عكس الأرجنتيني البارع جداً في التعامل مع الكرات بمنتصف الملعب، ووقع الانهيار سريعاً، وخرج الفريق الأبيض من كل المسابقات بشكل غير متوقع.
وضع البعض العيب على أنشيلوتي، بينما ذهب آخرون للحديث عن الغيابات وكثرتها، وكل هذه الأسباب تبدو منطقية وقابلة للقيل والقال، لكنها تبقى في النهاية مجرد إجابات مقتضبة على سؤال لم يطرحه أحد، ألا وهو العبث الإداري غير المبرر من جانب فلورنتينو بيريز، الحاكم بأمره في مدريد.
يسأل أغلب المتابعين الآن، هل سيستمر أنشيلوتي أم يأتي زيدان، كلوب، بينيتيز، وربما مورينيو؟ والإجابة لن تُغيّر من الواقع شيئاً، لأن السؤال الحقيقي يجب أن يكون، هل يتعلم بيريز من أخطائه ويبتعد عن الأمور الفنية داخل الفريق، أم تبقى إدارة الملكي السبب الرئيسي في قدوم ورحيل المدربين كل فترة دون أي جديد؟ هذا هو مربط الفرس، والحل عند فلورنتينو في كل الأحوال.