07 مايو 2020
كرة القدم روابط اجتماعية ومجتمعية
حدث في 16 مارس/ آذار 1990، في عز التجربة الديموقراطية الجزائرية الأولى بعد سقوط جدار برلين، وفي ملعب 5 جويلية، بكل ما يحمله التاريخ من رمزية نضالية واستقلال، في الجزائر العاصمة، أن الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم فاز بكأس أفريقيا. اليوم وفي إطار تحرّري آخر، وفي منطقتنا هذه المرة، ويماثل ما عاشته دول وسط أوروبا وشرقها، بعد سقوط جدار برلين، من توق للحرية والانعتاق، تماهياً مع موجات الربيع العربي، ووعوده التي أخلفت والأخرى التي تنتظر التحقق، وفي عز حراك الشعب الجزائري الذي أنهى حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويحاول أن يغير من شكل النظام في كليته، يلعب المنتخب الجزائري مباراة نهاية الكأس الأفريقية في القاهرة هذه الجمعة، ويفوز فيها على منتخب السنغال.
الأداء الذي ظهر به المنتخب الجزائري في هذه الدورة، وشعارات الجماهير في المدرجات، والتي حرمنا منها الإخراج المصري في البث المباشر للأسف الذي يخشى شعارات جماهير الكرة، المنشودة والمكتوبة، وكذلك طرق احتفاء اللاعبين في غرف الملابس بعد كل مباراة، والتي تأتينا تباعاً في فيديوهات مسجلة، تحمل إلينا وجدان الحراك وروحه التي تسكن كل جزائري وجزائرية في هذه اللحظة من تاريخهما. والتعتيم الذي عاشته جماهير كرة القدم في مدرجات الملاعب المصرية التي احتضنت البطولة الإفريقية في كل نقل مباشر للمباريات مرده قدرة جماهير الكرة على صياغة الوجدان الواحد و/ أو توحيده.
يوحد الإحباط الشعوب، من المغرب إلى مصر، ويجعل قضاياها الكبرى متشابهة، كما معاناتها أيضاً. وقد كانت مدرجات ملاعب كرة القدم من بين الأماكن القليلة في مجتمعاتنا التي تسمح لمجموعات كبيرة بالتنظيم الذاتي، وفي مقدمتها روابط الأولتراس. وليس غريباً أنه، مع بدايات الثورة الليبية مثلاً، وحدها جماهير كرة القدم كانت لها القدرة على التعبئة والنزول إلى الشارع، ورفع الشعارات التي كانت نفسها شعارات الكرة في بداياتها قبل التمرس، وإبداع شعاراتٍ ذات حمولات سياسية و/ أو مطلبية حقوقية وديموقراطية. وكذلك في مجتمع مغلق على نفسه، مثل المجتمع السوري، كان اللاعب عبد الباسط الساروت، حارس مرمى فريق كرامة حمص والفريق الوطني للشبان، الأيقونة التي استطاعت أن تجمع آلاف المشجّعين وغيرهم في ساحات الكرامة والنضال. وفي المغرب، وحتى قبل الربيع العربي، ساهم جمهور الرجاء البيضاوي، من خلال شعاراته الأخوية القوية بخصوص الجزائر والجزائريين، عند كل أزمة كانت تنشب بين النظامين، في أن نستمتع اليوم بمشاهد تآلف جماهير الكرة المغاربة والجزائريين في المدرجات والمقاهي، وعلى النقاط الحدودية بين بلديهما. وذلك لأن لنادي الرجاء البيضاوي تقليداً قديماً في جلب لاعبين وفنيين جزائريين لفريقه.
هذا التوليف الجماهيري الكبير بين أنصار كرة القدم في البلدين، والمؤلفة قلوبهم عليها كذلك،
قوي بشكل لافت خلال منافسات كأس العالم في روسيا الصيف الماضي، حيث سبقه عربياً جدل التصويت على ملف ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 2026، ودور العربية السعودية في إغراء مجموعة من الدول للتصويت ضده. وهنا أبدى الجزائريون، وفي مستويات مختلفة، مساندتهم ومؤازرتهم للمغرب، حتى إن الدعوة إلى طلب ترشيح جماعي لدورة 2030 تضم المغرب والجزائر وتونس بدأت من هناك.
أكثر من هذا، لطالما سعدنا بأصوات الجزائريين تصدح في حراكها بأغنية "في بلادي ظلموني" التي أبدع فيها جمهور الرجاء البيضاوي، وسمع صداه في تونس وغزة وغيرهما، مرة بإعادة للتوزيع الموسيقي، وأخرى بتغيير في الكلمات، لتناسب السياق هناك. ويظل أن ما يعيشه سكان المناطق الحدودية المغربية – الجزائرية، حيث تتمازج الدماء وتكثر المصاهرات، تماماً كما يحمل في دمائهم عديدون من لاعبي الفريقين الوطنيين ونجومهما، بعد كل مباراة للفريق الوطني الجزائري، ومنذ إقصاء منتخب المغرب، تركيز ما يمكن أن يشرحه المقال، حتى إن كثيرين قفزوا على الأسلاك الشائكة التي تحمي الفرقة والانقسام بين الشعبين، إثر حماسة مباراة كرة قدم.
التعتيم الذي فعلته السلطات المصرية على هذا النضج من الوعي الوجداني في المدرجات بالإخراج السيئ جداً، والذي حرمنا من أقوى لحظات مشهد كرة القدم، وهو التفاعل اللحظي والجماعي للجماهير مع اللقطات، والأهداف خصوصاً، ولوحات المدرجات الكبرى، تلجأ إليه أيضاً سلطاتنا المغربية التي تخشى أن يحمل إلينا حماس تشجيع الفريق الوطني الجزائري الذي يبدع، انطلاقاً من إحساس قوي بالانتماء، وبرغبة في إسعاد شعب يحاول أن يمتلك مصيره، حراكاً شعبياً واسعاً ووطنياً هذه المرة، وبطموحات ديموقراطية كبرى وحقيقية.
الأداء الذي ظهر به المنتخب الجزائري في هذه الدورة، وشعارات الجماهير في المدرجات، والتي حرمنا منها الإخراج المصري في البث المباشر للأسف الذي يخشى شعارات جماهير الكرة، المنشودة والمكتوبة، وكذلك طرق احتفاء اللاعبين في غرف الملابس بعد كل مباراة، والتي تأتينا تباعاً في فيديوهات مسجلة، تحمل إلينا وجدان الحراك وروحه التي تسكن كل جزائري وجزائرية في هذه اللحظة من تاريخهما. والتعتيم الذي عاشته جماهير كرة القدم في مدرجات الملاعب المصرية التي احتضنت البطولة الإفريقية في كل نقل مباشر للمباريات مرده قدرة جماهير الكرة على صياغة الوجدان الواحد و/ أو توحيده.
يوحد الإحباط الشعوب، من المغرب إلى مصر، ويجعل قضاياها الكبرى متشابهة، كما معاناتها أيضاً. وقد كانت مدرجات ملاعب كرة القدم من بين الأماكن القليلة في مجتمعاتنا التي تسمح لمجموعات كبيرة بالتنظيم الذاتي، وفي مقدمتها روابط الأولتراس. وليس غريباً أنه، مع بدايات الثورة الليبية مثلاً، وحدها جماهير كرة القدم كانت لها القدرة على التعبئة والنزول إلى الشارع، ورفع الشعارات التي كانت نفسها شعارات الكرة في بداياتها قبل التمرس، وإبداع شعاراتٍ ذات حمولات سياسية و/ أو مطلبية حقوقية وديموقراطية. وكذلك في مجتمع مغلق على نفسه، مثل المجتمع السوري، كان اللاعب عبد الباسط الساروت، حارس مرمى فريق كرامة حمص والفريق الوطني للشبان، الأيقونة التي استطاعت أن تجمع آلاف المشجّعين وغيرهم في ساحات الكرامة والنضال. وفي المغرب، وحتى قبل الربيع العربي، ساهم جمهور الرجاء البيضاوي، من خلال شعاراته الأخوية القوية بخصوص الجزائر والجزائريين، عند كل أزمة كانت تنشب بين النظامين، في أن نستمتع اليوم بمشاهد تآلف جماهير الكرة المغاربة والجزائريين في المدرجات والمقاهي، وعلى النقاط الحدودية بين بلديهما. وذلك لأن لنادي الرجاء البيضاوي تقليداً قديماً في جلب لاعبين وفنيين جزائريين لفريقه.
هذا التوليف الجماهيري الكبير بين أنصار كرة القدم في البلدين، والمؤلفة قلوبهم عليها كذلك،
أكثر من هذا، لطالما سعدنا بأصوات الجزائريين تصدح في حراكها بأغنية "في بلادي ظلموني" التي أبدع فيها جمهور الرجاء البيضاوي، وسمع صداه في تونس وغزة وغيرهما، مرة بإعادة للتوزيع الموسيقي، وأخرى بتغيير في الكلمات، لتناسب السياق هناك. ويظل أن ما يعيشه سكان المناطق الحدودية المغربية – الجزائرية، حيث تتمازج الدماء وتكثر المصاهرات، تماماً كما يحمل في دمائهم عديدون من لاعبي الفريقين الوطنيين ونجومهما، بعد كل مباراة للفريق الوطني الجزائري، ومنذ إقصاء منتخب المغرب، تركيز ما يمكن أن يشرحه المقال، حتى إن كثيرين قفزوا على الأسلاك الشائكة التي تحمي الفرقة والانقسام بين الشعبين، إثر حماسة مباراة كرة قدم.
التعتيم الذي فعلته السلطات المصرية على هذا النضج من الوعي الوجداني في المدرجات بالإخراج السيئ جداً، والذي حرمنا من أقوى لحظات مشهد كرة القدم، وهو التفاعل اللحظي والجماعي للجماهير مع اللقطات، والأهداف خصوصاً، ولوحات المدرجات الكبرى، تلجأ إليه أيضاً سلطاتنا المغربية التي تخشى أن يحمل إلينا حماس تشجيع الفريق الوطني الجزائري الذي يبدع، انطلاقاً من إحساس قوي بالانتماء، وبرغبة في إسعاد شعب يحاول أن يمتلك مصيره، حراكاً شعبياً واسعاً ووطنياً هذه المرة، وبطموحات ديموقراطية كبرى وحقيقية.
دلالات
مقالات أخرى
05 يناير 2020