كان قبل أربع شموع من ميلاده العاشر يفترش خارطة العالم على الأرض، ثم يمطّ جسده عليها ليتعرّف إلى تفاصيلها الدقيقة، يتأمّلها بعينين تسعيان إلى الحياة بفضول الطفولة، بأجنحة الفطرة الأولى، فأعترض على طريقته في التعامل معها، لكنّه يصدّني بكفّ صغيرة متمرّدة، مقلّبا شفاها متبرّمة قائلا: صغيرة جدا هذه البلدان، والكلمات صغيرة، كل ما في هذه الخارطة أصغر منّي!
حينها لم يخطر له أن يسألني أين نحن من هذا العالم ؟! والتلفاز "يحتفي" بأخبارنا.
هو يلحّ علّيَ أن أشتري له كرّة أرضية، وكان الأمر له بعد عقد من عمره.
بدت العناية فيها منصبة على الدول الغربيّة ...بالكّاد طلّت عليه صحراؤنا الواسعة ... عفّرت وجهه بغبارها، لكنّه عرفها من حقول النفط تضخ ّحفلات مريام فارس، وعلى صخبها ترقص في البحار جثث رند وإيلان وجلنار!
وحين عرّج على القارّة السمراء، رأى فلولا من جنود كافور الإخشيدي تطارد المتنبي وهو يصرخ قائلا:
إنّما النّاس بالملوك وما / تفلح عربٌ ملوكها عجمُ
فيشير إليه الملوك، ويطلّ العجم بنيوب الليث بارزة تبتسم ليتعرّفوا عليه فيذوق الأمرين، فيجفل قلب الطفولة، وينضب زاد الأمان ليركض باحثا عن معالم وطنه فيلوذ به.
ومن عتمة المكان، ورائحة الدخان تعرّفه، تلمّسه، استقرأ معالمه بشغب الأصابع الغضّة وهي تجوب حدود المدن، فتلذعه حرائقها لتدخل براءته متاهاتها غريبة، وتهبه دمشق نجومها حِمَم قذائف، وبعدها رفض الصغير أن يكبر، وعاد فاحتمى ثانية بخارطة العالم.
* كاتبة سورية