تتواصل الهجمات المتبادلة بين الجيش المصري وتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، في ظل محاولة من الجيش لإعادة فرض السيطرة على القرى الخمس غرب مدينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء، والتي تمكّن التنظيم من السيطرة عليها في 21 يوليو/ تموز الماضي، بعد هجوم دموي على معسكر الجيش في المنطقة، إلى أن عاد الجيش وسيطر على أجزاء منها خلال الأيام الماضية، فيما بدأ سكان هذه القرى الذين نزحوا إلى المناطق المجاورة بتحضير أنفسهم على أمل العودة القريبة إلى ديارهم بعد طرد مجموعات "داعش" من المنطقة. لكن التنظيم يحاول الرد عبر هجمات مضادة، كان آخرها أمس وأدت إلى مقتل 8 عسكريين مصريين، بينهم 3 ضباط.
قُتل 8 جنود بينهم 3 ضباط بهجوم لتنظيم "ولاية سيناء" أمس
وفي تفاصيل الوضع الميداني، أفادت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" بأن الجيش المصري حشد قوات كبيرة على حدود القرى الخمس، قبل أكثر من أسبوعين، تمثلت بعشرات الآليات المصفحة وكاسحات الألغام والقوات الخاصة، وبمساعدة من الطيران الحربي، وحاول أكثر من مرة اقتحام القرى، إلا أنه جوبه بمقاومة عنيفة من التنظيم. لكن الجيش تمكن أخيراً من انتزاع قريتي رابعة والجناين وأجزاء من اقطية وقاطية والمريح، ولا تزال الاشتباكات بين الطرفين مستمرة بشكل يومي، وسط وقوع خسائر بشرية ومادية في صفوف الطرفين، في ظل تحصين التنظيم نفسه داخل القرى بسلسلة من الإجراءات الدفاعية التي تمثلت بحفر خنادق ونقاط اختباء ونشر قناصة وزراعة عبوات ناسفة في الطرق التي يتوقع مرور القوات منها.
وأوضحت المصادر أن الجيش المصري وجّه دعوة خلال الأيام الماضية إلى سكان قرية اقطية بضرورة تسجيل بياناتهم لدى معسكر رابعة الذي كان الهجوم عليه بدايةً لسيطرة التنظيم على القرى، وذلك تمهيداً لعودتهم إلى منازلهم. وأكد عدد من المشايخ في هذه القرى ومحيطها على دعوة الجيش، فيما حاول بعض المواطنين الوصول إلى منازلهم في القرى المسيطرة عليها من الجيش إلا أنهم تعرضوا إلى إطلاق نار مجهول المصدر، ما دفعهم للعودة، وانتظار تعليمات الجيش للدخول بشكل جماعي.
من جهته، زعم تنظيم "ولاية سيناء" خلال الأيام القليلة الماضية تنفيذه عدداً من الهجمات ضد قوات الجيش في منطقة القرى الخمس، تمثلت في تفجير آليات ودبابات للجيش المصري، وكذلك صدّ محاولات اقتحام القرى المتبقية تحت سيطرته. وفي الوقت نفسه، حاول التنظيم تخفيف الضغط على جبهة غرب بئر العبد، من خلال شنه هجمات ضد قوات الجيش في مدينتي رفح والشيخ زويد خلال الأيام الماضية، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من العسكريين، فيما رد الجيش بحملات برية على بعض القرى التي يوجد فيها التنظيم.
الجيش المصري عرف بخطورة استمرار سيطرة التنظيم على القرى الخمس، ومدى تأثير ذلك على الأمن القومي
وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش المصري عرف بخطورة استمرار سيطرة التنظيم على القرى الخمس، ومدى تأثير ذلك على الأمن القومي، نظراً إلى توقيت السيطرة، وكذلك حساسية المنطقة، ما دفعه إلى تحشيد القوات في محيط القرى، ومن ثم بدء الدخول إليها من عدة محاور، وبغطاء من الطيران الحربي، إلى أن تمكّن فعلياً من تحرير قريتي رابعة والجناين بشكل كامل، ومن ثم انتقل إلى قرية اقطية التي شهدت اشتباكات بين الطرفين، ومنها إلى قرية قاطية. وأضاف: في حال تمكن من السيطرة على القريتين، فإن قرية المريح تصبح السيطرة عليها تحصيلاً حاصلاً، وفي حال تمكن الجيش من بسط سيطرته على كافة المناطق سابقة الذكر، فإنه بذلك ينهي فصلاً من فصول الصراع القائم في سيناء، إذ كانت المرة الأولى التي يتمكن فيها التنظيم من فرض سيطرته على منطقة جغرافية ومنع دخول الجيش إليها، لفترة طويلة فاقت الشهر. وأضاف الباحث أن ما حدث في القرى الخمس يمثل درساً جديداً للجيش، يتمثل في أن السيطرة من قبل "ولاية سيناء" دق لناقوس الخطر عن حجم وقدرة التنظيم على الرغم من كل العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش منذ عام 2013، فقرار الانتقال من مرحلة الهجوم المباغت والانسحاب إلى مرحلة التمركز والسيطرة، يمثل انتقالاً في عمل التنظيمات المسلحة التي تتبع نظام حرب العصابات، ما يفرض على الجيش إعادة استراتيجيات تعامله مع التنظيم، وكذلك أساليب انتشاره وعمله في سيناء.