كزبرة وبقدونس

14 نوفمبر 2014
المجتمع والجندر (Getty)
+ الخط -

هل سبق أن سألنا أنفسنا: متى كانت أول مرة في طفولتنا أدركنا فيها الفرق بين الصبيان والبنات؟ وما كان ذلك الفرق؟

منا من يتذكر الفروقات البيولوجية لدى قضاء الحاجة ربما. ومنا من جرّبت التأكيد أنه يمكن تجاوز هذا الفرق. فليس هناك ما يمنع الفتاة من قضاء حاجتها وهي واقفة.

منا من يتذكر أنه كصبي أراد شيئاً لم يكن مسموحاً له القيام به. منا من تتذكر أنها لقبت بـ"حسن صبي" حين فضلت اللعب مع صبيان الحي. كبر بعضنا معتقداً أن هذه الفروقات "طبيعية"، والدليل ما تثبته الدراسات ويكرّسه العلم. والأرجح أن معظمنا لا يتذكر شيئاً. فالفروقات بين الصبي والبنت تبدأ قبل قدرتنا على مراكمة الذكريات بكثير.

تخبرنا مقولة نسوية شهيرة أن الناس يخلقون إناثاً وذكوراً، ويتعلمون كيف يصبحون بنات وصبياناً أو نساءً ورجالاً. تلخص هذه المقولة واقع الأمر. فالفرق الوحيد بين الصبيان والبنات إذاً هو التشريح البيولوجي.

وكل ما عدا ذلك هو من فعل التنميط الاجتماعي. أفضل ما يعبّر عن ذلك التفكير بأنه شيفرة سلوكية لما يتوقعه المجتمع من الذكور ليصبحوا صبياناً ثم رجالاً، وما يتوقعه المجتمع من الإناث ليصبحن فتيات ثم نساء.

وكل محاولة من قبل الجنسين، مهما كان عمرهما، لكسر قالب التنميط هذا، ستكون نتيجتها النبذ المجتمعي. وما ألقاب "حسن صبي" للفتيات أو "فوفو" للصبيان، على سبيل المثال، سوى وصمة حكم مجتمعية إقصائية لأنهم اختاروا التعبير عن فرديتهم.

كل ذلك وتصدر دراسات عدة، عن مراكز أبحاث موثوقة، لتؤكد أن الفروق المجتمعية والجندرية بين الصبيان والبنات فطرية. تستند إلى تجارب أجريت على عدد من الصبيان والبنات حول اهتماماتهم، أو حاجاتهم، أو قدراتهم العقلية أو سماتهم الشخصية. تؤكد أن "النساء بطبيعتهن يمكنهن القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه، في حين أن الرجال لا يمكنهم ذلك، ويفضلون التركيز عقلياً على أمر واحد وإنهاءه".

نسيت هذه الدراسات ربما أن الفروقات المجتمعية والجندرية يبدأ بثها منذ لحظة معرفة جنس الجنين لدى الأم أحياناً. نسيت أيضاً أنه إلى جانب توقعات الأهل والمجتمع، ثمة صناعة يومية لا تقل أهمية متجذرة في نوع وصنف ألعاب البنات في مقابل ألعاب الصبيان، أو في وقصص وروايات الرسوم المتحركة وشخصياتها المختلفة، وكيف يتم بثّ وترسيخ "المقبول" مجتمعياً من عبرها.

وفي مقابل بديهيات المجتمع التي لا يكلّ من فرضها، ثمة بديهيات لدينا كنساء نتوقع من الرجال معرفتها أو التعامل معها، كالفرق بين الكزبرة والبقدونس على سبيل المثال!

دلالات