كلما حاول إعلام النظام السوري أن يبيض صورته من خلال برامج نقد الذات ومحاربة الفساد والفوضى في دوائره الحكومية، وكلما سعى لزيادة عدد البرامج الفنية والترفيهية في قنواته لخلق صورة تخدم النظام السوري وتظهره بشكل منفتح، بدا أكثر انغلاقاً واضمحلالاً، فمحاولاته جميعها تبوء بالفشل، وإعلام النظام عاجز عن الخروج من المنظومة العسكرية التي تعكس مفاهيم رفض الآخر وسبه وقدحه مقابل تلميع صورة نظام بشار الأسد.
وعلى نهج السياسة الجديدة، أطلق منذ أيام برنامج "كلام كبير" مع عماد جندلي، عبر شاشة الفضائية السورية الرسمية. وأثار البرنامج مع انطلاقته جدلاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه مستنسخ عن أشهر برنامج "توك شو" في العالم العربي، وهو برنامج "هيدا حكي" اللبناني، الذي يقدمه عادل كرم. ولكن الاستنساخ بدا مشوهاً، من حيث الشكل والمضمون، إذ اكتفى معدو البرنامج بشخصية المقدم الجندلي، و"دي جي" يقوم بتشغيل مقاطع من أغاني معروفة بلحظات ساذجة، وكومبارس يؤدي دور عازف الدرامز، ويحرك يديه، ولا نسمع صوتاً لطبوله، وذلك عوضاً عن الفرقة الموسيقية التي تشارك في برنامج "هيدا حكي"، وتضفي بعضاً من المرح في الفواصل. كما أن الديكور يفتقر إلى الذوق، فاكتفى المخرج بصورة لمدينة دمشق كخلفية، وبعض الأشعار المبتذلة والمتناثرة في الاستديو.
ورغم معرفتنا للأصل وإدراكنا للتشوه، قام الجندلي بالتعريف عن البرامج وكأنه سابقة إعلامية! وادعى أنه سيطرح في البرنامج مواضيع ساخنة، وسينتقد الفساد وبعض المسؤولين، ولكن هذا ليس بجديد في سورية. فمنذ الأزل تتناول الدراما السورية هذا النقد، وخاصة مسلسلي "بقعة ضوء" و"مرايا"، إلا أن النقد محصور ضمن الحدود التي يسمح بها النظام السوري.
ومع بداية الحلقة الأولى، بدأ الجندلي بالسخرية من الثورة السورية، حيث يضيف لحديثه بشكل متعمد كلمة ثورة، ليقتحم أبواب الاستديو أربعة ممثلين، يمثلون أدوار رجال المخابرات، ويجبرونه تحت التهديد أن يستبدل كلمة ثورة بكلمة نهضة، ليكشف الجندلي البعد السياسي للبرنامج والهدف الرئيسي منه. فبعيداً عن المواضيع الاجتماعية الرائجة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يتناولها الجندلي بشكل أبعد ما يكون عن الكوميديا، في حوارات تفتقد للمرونة واللباقة مع زميله الديجي، فهو يستهدف وبشكل رئيسي قراءة منشورات أبرز المعارضين، ويتعمد السخرية منها بشكل بذيء ومستفز، حيث تناول في الحلقة الأولى منشوراً لفيصل القاسم تجاه المنتخب السوري، ورد عليه بطريقة بذيئة ومستفزة، فقط لأنه معارض، ويسانده الجمهور المأجور في الاستديو، ويشدد على السخرية، ليؤكد الجمهور مع بداية البرنامج، أن الهدف من وجوده، المقتصر على الصفوف الأربعة الأولى من المسرح، هو خلق صورة لرأي عام كاره للمعارضة والثورة. وهو الدور نفسه الذي يمارسه الجمهور في الحلقة الثانية بصورة أشد بشاعة، حيث يقومون بالبصق على المعارضين السوريين الذين رفضوا تشجيع المنتخب، ورفعوا علم أستراليا.
وبعد أن انتهت الحلقة الأولى من البرنامج، تلقى الجندلي نقداً من جميع أطياف المجتمع السوري، فما كان منه إلا أن تطرق للانتقادات الموجهة إليه في الحلقة الثانية، فناقش النقد بشكل هزلي ومستفز. ووصف الجندلي منتقديه بأعداء النجاح، مبرراً ذلك بأن أي محاولة للتغيير تلاقي النقد، وبدا متساهلاً مع منتقديه من مؤيدي النظام السوري، ومتشدداً مع منتقديه من المعارضين، فقام بتهديدهم من خلال الملاحقة القانونية، عن طريق شعبة مكافحة جرائم المعلومات، مؤكداً على أنه يجب أن يوضع حد لتلك الشريحة من خلال القانون. وبذلك يستطيع إعلام النظام شتم وسب المعارضة، ومكافحة الردود من خلال تلك الشعبة، فالمعارضون المقيمون في سورية لا تحميهم أي قوانين، ومحرومون من حق الرد على ممارسات شبيحة إعلام النظام السوري ضدهم.