منذ أكثر من أربعة أعوام، تدمي الحرب اليمن وتخلّف آثارها في أكثر من نطاق. ومنذ ذلك الحين، سُجّلت حالات كثيرة من الاختفاء القسري والاعتقال، كما هي الحال عادة في الحروب والنزاعات المسلّحة، فيما تتحمّل الأطراف كافة مسؤولية تلك الانتهاكات الذي لا تُحصَر بجهة دون أخرى.
عند فجر يوم التاسع من يونيو/ حزيران 2015، حاصرت عناصر مسلحة تابعة للحوثيين فندق "قصر الأحلام" الواقع شمالي صنعاء بأطقم عسكرية وسيارات دعم مدنية مدجّجة بأسلحة مختلفة قبل أن تقتحمه وتختطف مجموعة من الشباب الذين يعملون في الإعلام. من بين هؤلاء الصحافي الشاب عبد الخالق عمران. تخبر قريبته أمّ الحارث عمران "العربي الجديد" بأنّه "أخفي في بداية الأمر لمدّة طويلة ولم نستطع معرفة أيّ شيء عنه... هل هو على قيد الحياة أم لا؟ وأين يُحتجَز؟". تضيف: "وبعد أشهر، في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، عرفنا مكان احتجازه، وهو سجن البحث الجنائي حيث تعرّض إلى التعذيب. وسُمح لأسرته بزيارته".
وتؤكد أمّ الحارث: فرحنا عندما عرفنا مكانه، على الرغم من ألمنا على خلفيّة سجنه. وعددنا أنفسنا محظوظين بالمقارنة مع أهال كثيرين يبحثون في السجون والأقسام عن أبنائهم من دون جدوى". لكنّها تلفت إلى أنّ "الفرحة لم تدم طويلاً، فبعد شهرَين تعرّض إلى التعذيب مجدداً ومُنعت الزيارة عنه ثمّ أخفي مجدداً". حتى يومنا، ما زالت أسرة عمران غير قادرة على التواصل معه، في حين أنّ أولاده بحسب ما تقول أمّ الحارث "يأملون ويحلمون بإطلاق سراحه وعودته إليهم في كل يوم وكل ليلة وفي كل مناسبة وكل عيد".
تضيف أمّ الحارث أنّهم "يعيشون حالياً في الريف بعدما كانوا مستقرّين في صنعاء قبل اختطاف والدهم، ولا يمكن لأحد ألا يلاحظ الحزن والألم في عيونهم، لا سيّما عندما يرون الأطفال من حولهم ينعمون بوجود آبائهم". وتنتقد أمّ الحارث في السياق، "أداء المنظمات الدولية والمحلية التي لا تؤدّي دورها مثلما يجب. أسر المختطفين والمختفين قسرياً والمعتقلين يسمعون عن العدالة والقانون ولا يرونهما. المنظمات الإنسانية تحيط بهم غير أنّها لا تأتي بأيّ فعل، فيما يُثار الموضوع ويُستخدم سياسياً بين الحين والآخر من قبل المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات المجتمع المدني الراعية للحوارات والمفاوضات السياسية". وتطالب "المنظمات وكل صاحب ضمير إنساني بالإسهام في إطلاق سراح هؤلاء أو الكشف عن مصيرهم، فقضيتهم عادلة لا تقبل التفاوض أو التسويف".
وفي المناطق الخاضعة للشرعية، تماماً كما هي الحال في مناطق سيطرة الحوثيين، ملفّ المختطفين والمختفين قسرياً مفتوح، وسجون الوحدات العسكرية في عدن، المموّلة من دولة الإمارات العربية المتحدة، تكتظ بالمختطفين. تقول ناشطة حقوقية في مدينة عدن لـ"العربي الجيد" إنّ "القوات التابعة للإمارات في عدن، وفي خلال المواجهات المسلحة التي وقعت بداية أغسطس/ آب الجاري، أقدمت على اقتحام منازل بعض المواطنين واختطاف أفراد وإخفائهم في أماكن غير معروفة. وكثيرون هم الأهالي الذين لا يستطيعون التكلّم عن الموضوع، فالحرب لم تتوقف بعد في بعض المناطق".
تضيف الناشطة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها أنّ "عدد المختفين قسرياً تراجع بعد الحملات الإعلامية المتواصلة التي سلّطت الضوء على الانتهاكات، لكنّ الملف لم يُغلَق". وتؤكد أنّ "مبرّرات إخفاء ضحايا الأحزمة الأمنية في عدن كثيرة، أبرزها اتهام كل من يخالف الجهات المسيطرة بأنّه إرهابي"، لافتة إلى أنّ "هذه التهم لا تختلف عن تهم الحوثيين في الشمال الموجّهة إلى كل من يختلف معهم". وتتابع أنّ "المعتقلين في سجون عدن المختلفة والمختفين قسرياً يتعرّضون إلى انتهاكات كثيرة، في مقدّمتها التعذيب الجسدي. وقد سُجّلت وفيّات عدّة نتيجة التعذيب".
في السياق، يقول المدير التنفيذي السابق لـ"صدى" (المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين)، حسين الصوفي، إنّ "المختطفين من قبل الحوثيين يتعرّضون إلى التعذيب المتواصل"، موضحاً أنّ "المنظمة رصدت 25 أسلوباً من أساليب التعذيب التي تُمارس في سجون الحوثيين السرية". ويؤكّد الصوفي لـ"العربي الجديد" أنّ "المختطفين يتعرّضون إلى التعذيب النفسي والجسدي، من قبيل الإعدام الوهمي عبر قراءة بيان الإعدام عليهم ثمّ إطلاق الرصاص بقربهم وهم مكبّلون، أو التعليق على شكل صليب في أسقف الزنازين، علماً أنّ بعض هؤلاء أصيب بمرض خطير في العمود الفقري. ويأتي كذلك الصعق بالكهرباء، والضرب بأدوات حادة، وتجريدهم من ملابسهم، وتركهم في البرد، وحرمانهم من الدواء والاغتسال والحلاقة". ويشير إلى أنّ الأسر بمعظمها لا تستطيع معرفة مكان احتجاز أبنائها ولا زيارتهم لمدّة تصل إلى ستة أشهر عادة".
ويستنكر الصوفي "طريقة تعامل الأمم المتحدة مع ملف المختطفين. والمؤسف أنّ المبعوث الأممي وافق على توظيف ملفّ الصحافيين واستخدامه مع ملفات آخرين من المختطفين والمختفين قسرياً كجزرة في المفاوضات السياسية، وحوّل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية تُستحضَر للمناورة". ويتابع أنّ "منظمات دولية ومحلية كثيرة دانت الاعتقال والإخفاء القسري في اليمن عموماً، وقد طالبت بإطلاق سراح المختفين غير أنّ ذلك لم يحدث".
ويفيد مصدر حقوقي في صنعاء "العربي الجديد" بأنّ "لا إحصاءات دقيقة لعدد المختفين قسرياً والمعتقلين في اليمن، والأسباب كثيرة. لكنّ التقديرات تشير إلى أنّ الذين ما زالوا يقبعون في سجون الحوثيين فقط يتجاوزون ثلاثة آلاف شخص". يضيف أنّ "عدد المختطفين من قبل الحوثيين منذ عام 2015 وحتى اليوم تجاوز 16 ألف شخص، أطلق سراح معظمهم". ويؤكّد المصدر الحقوقي نفسه أنّ "أسراً كثيرة في مناطق سيطرة الحوثيين لا تبلّغ عن أبنائها المختفين قسرياً أو المعتقلين، إذا إنّها تخشى تعذيبهم أو قتلهم في حال تمّ التبليغ عن اختطافهم أو نشر الأمر في وسائل الإعلام".
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة اليمنية الشرعية كانت قد وقّعت مع الحوثيين اتفاقاً في خلال مفاوضات السويد التي عُقدت برعاية الأمم المتحدة في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يقضي بإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين لدى الطرفَين، لكنّه لم ينفّذ حتى الآن.