تحيط المخاطر والخلافات بالمحاولات المصرية المستمرة لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، لإجبار إثيوبيا على الانخراط في مفاوضات جادة حول قواعد ملء وتشغيل سدّ النهضة تنتهي باتفاق شامل وملزم مع مصر والسودان، ومنعها من الملء الأول للسد إلا بعد التوصل إلى الاتفاق.
فبصعوبة بالغة وبعد إرجاء متكرر وجلستين غير رسميتين لمناقشة الخطابات والمذكرات المقدمة من الدول الثلاث أطراف القضية، دعت فرنسا بصفتها الرئيس الحالي لمجلس الأمن إلى جلسة يوم الإثنين المقبل لمناقشة الشكوى أو التنبيه الرسمي المصري، والرد الإثيوبي عليه، وكذلك الخطاب السوداني الذي تم إرساله مساء الأربعاء الماضي للمطالبة بمنع إثيوبيا من الملء، تأكيداً لما نشره "العربي الجديد" من أن مصر طلبت من السودان إرسال مذكرة إلى مجلس الأمن بشأن النزاع، للتأكيد على إصرار الدولتين على القسم الثالث من مشروع القرار الذي دفعت به مصر أخيراً، مدعومة من الولايات المتحدة، بإلزام أديس أبابا بالامتناع عن الملء الأول قبل التوصل إلى اتفاق. وأيضاً للبرهنة على جدية ووجاهة الطلب المصري المقدم في الشكوى، والتقليل من أثر خطاب الرد الإثيوبي الذي خلا من تفنيد النقاط الفنية التي أوضحتها مصر في خطابها وملحقاته، وركز بشكل أكبر على رواية المظلومية التاريخية لإثيوبيا ودول المنبع، والادعاء بأن الوضع في حوض النيل يتطلب إعادة لتوزيع الحصص المائية.
وكشفت مصادر مصرية وإثيوبية واسعة الاطلاع، لـ"العربي الجديد"، عن تفاصيل الخلافات المحيطة بالقضية في أروقة الأمم المتحدة، والتي لم تتبدد حتى الآن بين مجموعات عديدة داخل مجلس الأمن وخارجه، موضحةً أنّ الجهود الدبلوماسية التي تجري على مدار الساعة من قبل الوفدين المصري والإثيوبي ووفود الدول المؤيدة لكل منهما، تؤدي إلى تغيّر مواقف بعض الدول بين لحظة وأخرى. وأشارت المصادر إلى أنه حتى الآن لا يمكن الجزم بنجاح أو فشل المساعي المصرية لتمرير مشروع القرار بخصوص السد بكامل أجزائه، التي تتضمن دعوة كل من مصر وإثيوبيا والسودان إلى استئناف المفاوضات الفنية للتوصل إلى اتفاق مستدام يضمن مصالح الجميع ويمنع إلحاق الضرر بأي طرف، وكذلك دعوة الدول إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي في حماية الحقوق المائية لجميع الدول المشاطئة للنيل الأزرق، وأن يكون الاتفاق منظماً لآلية دائمة لفضّ النزاعات التي قد تنشأ بين الأطراف، فضلاً عن دعوته جميع الأطراف إلى عدم اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب بشأن السدّ إلا بعد التوصل إلى اتفاق.
وبحسب المصادر، فإنّ التيار المعارض للقرار حتى الآن تقوده، سراً، الصين مع حرصها على عدم الإفصاح عن موقفها. فعلى الرغم من علاقاتها المتطورة في السنوات الأخيرة مع النظام الحاكم في مصر، إلا أنها تتحرك ضدّ المشروع بدوافع عدة؛ أبرزها نيتها معارضة الولايات المتحدة في أي موقف، وكذلك -كما سبق ونشر "العربي الجديد"- بسبب انخراط شركتين صينيتين في أعمال السدّ الإنشائية التي لم تنته بعد وبعضها يتوقف عملياً على بدء الملء، وهما شركة "جيچوبا" المسؤولة عن إنشاء الهياكل في الموقع، وشركة "سينوهيدرو" المسؤولة عن تجميع هياكل الصلب المستوردة وتكوين الوحدات الكهرومائية.
لكنّ هناك سببين آخرين مهمين تحدثت عنهما المصادر؛ الأول أنّ الصين ترغب في كسب نقاط لصالحها وتأمين استثماراتها ومساحات النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي المتنامي لها في القارة الأفريقية، وهي تستشعر من الحراك الأفريقي بالجمعية العامة للأمم المتحدة أنه يتوجه نحو إثيوبيا وليس مصر، مما يجعلها أقرب إلى هذا المعسكر. وتسعى مصر إزاء ذلك، عبر اتصالاتها، إلى انتزاع موافقة الصين على بعض أجزاء من القرار، أو ضمان عدم استخدامها حق النقض لتعطيل أي قرار لصالحها حال طرحه.
أمّا السبب الثاني، فهو أنّ الصين لديها بالفعل العديد من المشاكل الحدودية والسيادية المتعلقة بمناطق تشقها الأنهار، مما يجعلها تتخوف من أن تساهم اليوم في إرساء قواعد للتدخل الأممي لحل مثل هذه المشاكل. ولذلك، فهي تفضل دائماً الترويج لفكرة حرصها على إجراء حوار خاص بين أطراف النزاع للتوصل إلى قواعد إطارية خاصة، بعيداً عن مجلس الأمن، كما تسعى هي حالياً لفرض الأمر الواقع في نزاعها الحدودي مع الهند.
من جهتها، تبذل جنوب أفريقيا جهوداً كبيرة تدعي أنها تحاول بها تقديم حلّ أفريقي نهائي للمشكلة واحتوائها قارياً من دون تدخل أطراف أخرى، وذلك بحسب ما دار في الاتصالين الهاتفيين اللذين أجراهما الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك أخيراً. لكن في الواقع العملي، ترى مصر أنّ هذا الحراك يصب فقط في مصلحة إثيوبيا، لأنه يسعى لإعاقة استصدار قرار بمنعها من ملء السد.
وأضافت المصادر أنّ جنوب أفريقيا تسعى حالياً ليكون الصوت الأفريقي موحداً في التصويت على مشروع القرار، وكذلك في المناقشات يوم الإثنين، إذ تتجه إلى تفعيل وساطة قارية وعدم فرض قرار بمنع الملء على إثيوبيا، وذلك بمحاولة التأثير على العضوين الآخرين النيجر وتونس، بحجة أنه من الضروري أن يكون الصوت الأفريقي موحداً في قضية كهذه، كما تجري اتصالات بممثلي آسيا وإندونيسيا وفيتنام للانضمام إلى الموقف الأفريقي.
وأوضحت المصادر أنّ الكتلة الأكثر تفاعلاً مع المطالب المصرية حتى الآن هي الأوروبية المكونة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإستونيا وبلجيكا، فعلى الرغم من أنّ لكل من فرنسا وألمانيا مصالح اقتصادية وثيقة الصلة ببناء السدّ، لكنهما تريان أيضاً أهمية في عدم إلحاق الضرر بمصر وهزّ مكانتها الاستراتيجية والسياسية في المنطقة.
وعلى هامش المناقشات أيضاً هناك خلاف خافت بين مصر والسودان على بعض العبارات التي تضمنها خطاب الخرطوم إلى مجلس الأمن، خصوصاً تكرار عبارة أنه قد تم الاتفاق على أكثر من 90 في المائة من البنود الفنية. إذ تؤكد مصر أنّ هذه النسبة غير صحيحة ولا منطقية، لأن ما تبقى من بنود عالقة أهم عملياً من معظم ما تمّ حله، مع الأخذ في الاعتبار أنّ السودان بالفعل سيكون الدولة الأكثر استفادة من إنشاء السد، وبالتالي فهو لا يشارك مصر تخوفاتها الكبيرة بشأن التدفق في فترات الشح المائي والجفاف الممتد، كما لا يشاركها رؤيتها لضرورة تحقيق الربط الفني بين سد النهضة والسد العالي.
وبحسب المصادر، فإنه من المؤكد أنه سيحضر مندوبون عن مصر والسودان جلسة الإثنين المقبل، لكن إثيوبيا لم تؤكد حضور مندوبها إلى الآن، بينما أدلى وزير خارجيتها جيدو أندارجاشيو أمس الجمعة، بتصريحات جديدة متحدية للمطالب المصرية أكد فيها عزم بلاده ملء السد في موعده المحدد حتى إذا لم يتم التوافق مع مصر والسودان.
ووجهت إثيوبيا في خطابها إلى مجلس الأمن اتهامات عنيفة لمصر بممارسة الخداع والتضليل، مطالبةً بإدراج اتفاقية 1959 في ملف الأزمة أمام مجلس الأمن. وادعت أنّ مصر لم تستأذنها عندما حوّلت مجرى النيل وأنشأت السدّ العالي مطلع ستينيات القرن الماضي، وكذلك أنّ مصر هي التي تتعمد اتخاذ قرارات أحادية، وحملتها مسؤولية إلحاق أي ضرر بالسلم والأمن في المنطقة، مدعيةً أنها هددت أكثر من مرة باستخدام العمل العسكري.
وتضمن خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السبت الماضي عبارات سلمية وودودة إزاء إثيوبيا التي سبق وأعلن مسؤولوها الحرب ضمناً على مصر، تارة بإصرارهم على الملء الأول للسد من دون اتفاق مسبق مع مصر وبما يسمح بإلحاق ضرر جسيم بها، وتارة أخرى بتصريحاتهم التصعيدية التي وصلت لحد تذكير المصريين بهزائم سابقة تعرضوا لها في إثيوبيا منتصف القرن التاسع عشر. وقال السيسي وهو يستعرض جنود المنطقة الغربية العسكرية: "منذ اللحظة الأولى حرصنا على المسار التفاوضي، وعندما تحركنا إلى مجلس الأمن كان بهدف اتباع المسار الدبلوماسي والسياسي حتى نهايته".