في التغطية العربية لوباء كورونا، وقع البعض في فخ التهوين والاستهتار والإنكار، بل والشماتة أحياناً، وبالأخص لدى صحف ووسائل أنظمة مستبدة. هذا إلى جانب نعوت ومصطلحات عنصرية، كاستهداف السوريين بالتعميم في لبنان، ومذيعة "نشمية" تشمت بالغزيين، وطلب فنانة كويتية "شهيرة" طرد الوافدين، أو ما تبثه وتلقيه وسائل إعلام نظامَي دمشق والقاهرة، من تسييس للوباء، للدلالة على قوة و"حكمة القيادة".
وبما أن "العربي الجديد" يدخل عامه السابع، فيمكن أيَّ إنسان مهني، متجرد من أحكام مسبقة، ومواقف مبنية على أيديولوجية الكراهية، أن يلاحظ تغطية بلغة الضاد تصل باحترافيتها ومهنيتها إلى ما لم تصل إليه مؤسسات "متعوب عليها"، ومسنودة بمقدرات جيوش ذباب إلكتروني لدول.
المتلقي لما تبثه "العربي الجديد"، يمكنه ملاحظة أنه لا يتلقى استسهال نشر، دون تدقيق وتمحيص وتحديث، فلا قوالب نمطية جاهزة، على طريقة قص فلطش ولصق، ولا تهويل ولا تهوين، وحتى لا تسييس وتشفي، لا علاقة لهما بمهنة الإعلام والصحافة الرزينين والمسؤولين في مهمتهما أمام مجتمعات العالم العربي.
بعض الأحيان، وعلى مدى 6 أعوام من انطلاق "العربي الجديد"، كنت أضع نفسي في موقف المقارن، وأخيراً في مرحلة تغطية وباء كورونا، وقبلها كثير غيرها، من أخبار وأحداث وقضايا مشتركة وهامة في عالم الصحافة، فلا يفاجئني أن أذكر لزميل أو زميلة، من رؤساء أقسام ومحررين، وهم جيش الظل الحقيقي لهذه الصحيفة، أن صحيفة إسكندينافية، مثلاً، تتناول ما تناولناه بعد أيام، وفي أحيان أخرى يتطابق غلاف الصحيفة مع غلاف صحيفة تصدر منذ 150 سنة.
بالمعنى المهني، هذا يعني أنه في العالم العربي، رغم كل الحجب والعثرات والتحريض، خطت "العربي الجديد" طريقها الصعب لتحصد ما زرعته في مصاف المهنية الاحترافية والمسؤولة، دون إغفال العنصر الأهم، الذي يبقي الصحافي حراً، في حرية الصحافة والتعبير.
وعلى هامش كورونا، كوباء عالمي يؤثر بكل المجتمعات، فإن المشهد محزن في فوضى يعتاش عليها بالأساس "السيستم" كاملاً، فمن دون فوضاه ما كنا أمام مشهد عبثي، يختلط فيه الثوم والبصل، استخفافاً واستهبالاً، بمشاهد النعوش تُودع بلا جنائز، بمن فيهم أطباء عرب في بريطانيا.
اقــرأ أيضاً
فالمشهد المُسيَّس للوباء، باستثناءات بالطبع، كيفما جرى تقليبه، رضينا أو لم نرضَ، وخصوصاً لدى أنظمة استبداد، لا ترى قيمة لمواطنيها، هو مشهد بالفعل بائس، ومؤلم، إذ لا يشبه الإنسان العربي، بقدر ما هو انعكاس لمنظومة حكم مهلهلة، وتقوم على الفهلوة والتذاكي على الشعوب. ومثلها تفعل قوى دينية، بتبخير مرضى ورائحة زيوت في مستشفيات طهران، وغيرها، وتطيّر في كنيسة في القاهرة، وغيرها، يخشى "أبونا" فيها أن تفرط الرعية من حوله، إلى غيرها من مشاهد قراءة الوباء فرصة لبث شعوذة وتضليل، وإقحام للمذهبية في جائحة لا تستثني أحداً.
فكم قناة تلفزيونية عربية، ومواقع على الإنترنت، قدمت للإنسان العربي وصفات أقرب في محتواها إلى الدجل والشعوذة من الحقيقة؟ بل، واستحضرت غيبيات واتكالية مفزعة، لا تختلف عن ركوب حاخامات الاحتلال رؤوسهم، معتقدين جدياً أنهم "شعب الله المختار"، وما يصيب الغوييم لا يصيبهم.
ليس فقط التطيّر من على الشاشات ما أثار الانتباه، بل في جرأة هذا الدجل، والتغطية المستهترة بوباء عالمي بـ"عصرة ليمون" و"بعض الجرجير"، بل فوضى النظام كله، قبل الوباء.
عدا ذلك، وأخطرها، تلك التغطية التي استحضرت نظرية المؤامرة، وبالتحديد لدى خط تحريري معيَّن، يسمى ممانعة، وموجه، في العالم العربي وإليه. فهي "المؤامرة" التي استنفرت فيها وسائل إعلام، (ومن بينها تقارير لـ"روسيا اليوم" بالعربية)، يفترض أنها تمارس إعلاماً لا بروباغندا، فشحذت كل أسلحة الخيال، عدا الحقيقة، لمواجهة دول وشعوب لوباء، يعتقدون أنه سيختفي بمجرد وصفه بالمؤامرة، أو بإظهار مذيع شاشات الاستبداد لغضبه، على طريقة ذلك القس الأميركي الذي يشفي عبر الشاشة كأحد منجمي ومشعوذي "الأعشاب" من بغداد. ألا يفكر هؤلاء مرة واحدة في ما يزرعونه في عقول أجيال تشاهد كآبة الحال وتعيش وسط صراخ غير مجدٍ؟
وقد يكون اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي حددته الأمم المتحدة، في الثالث من مايو/ أيار من كل عام، فرصة مع انتشار هذه الجائحة، ليدرك الناس الحاجة الماسّة لوسائل الإعلام المسؤولة والمهنية، وليس لبروباغندا سياسية وانتهازية رخيصة.
المتلقي لما تبثه "العربي الجديد"، يمكنه ملاحظة أنه لا يتلقى استسهال نشر، دون تدقيق وتمحيص وتحديث، فلا قوالب نمطية جاهزة، على طريقة قص فلطش ولصق، ولا تهويل ولا تهوين، وحتى لا تسييس وتشفي، لا علاقة لهما بمهنة الإعلام والصحافة الرزينين والمسؤولين في مهمتهما أمام مجتمعات العالم العربي.
بعض الأحيان، وعلى مدى 6 أعوام من انطلاق "العربي الجديد"، كنت أضع نفسي في موقف المقارن، وأخيراً في مرحلة تغطية وباء كورونا، وقبلها كثير غيرها، من أخبار وأحداث وقضايا مشتركة وهامة في عالم الصحافة، فلا يفاجئني أن أذكر لزميل أو زميلة، من رؤساء أقسام ومحررين، وهم جيش الظل الحقيقي لهذه الصحيفة، أن صحيفة إسكندينافية، مثلاً، تتناول ما تناولناه بعد أيام، وفي أحيان أخرى يتطابق غلاف الصحيفة مع غلاف صحيفة تصدر منذ 150 سنة.
بالمعنى المهني، هذا يعني أنه في العالم العربي، رغم كل الحجب والعثرات والتحريض، خطت "العربي الجديد" طريقها الصعب لتحصد ما زرعته في مصاف المهنية الاحترافية والمسؤولة، دون إغفال العنصر الأهم، الذي يبقي الصحافي حراً، في حرية الصحافة والتعبير.
وعلى هامش كورونا، كوباء عالمي يؤثر بكل المجتمعات، فإن المشهد محزن في فوضى يعتاش عليها بالأساس "السيستم" كاملاً، فمن دون فوضاه ما كنا أمام مشهد عبثي، يختلط فيه الثوم والبصل، استخفافاً واستهبالاً، بمشاهد النعوش تُودع بلا جنائز، بمن فيهم أطباء عرب في بريطانيا.
فالمشهد المُسيَّس للوباء، باستثناءات بالطبع، كيفما جرى تقليبه، رضينا أو لم نرضَ، وخصوصاً لدى أنظمة استبداد، لا ترى قيمة لمواطنيها، هو مشهد بالفعل بائس، ومؤلم، إذ لا يشبه الإنسان العربي، بقدر ما هو انعكاس لمنظومة حكم مهلهلة، وتقوم على الفهلوة والتذاكي على الشعوب. ومثلها تفعل قوى دينية، بتبخير مرضى ورائحة زيوت في مستشفيات طهران، وغيرها، وتطيّر في كنيسة في القاهرة، وغيرها، يخشى "أبونا" فيها أن تفرط الرعية من حوله، إلى غيرها من مشاهد قراءة الوباء فرصة لبث شعوذة وتضليل، وإقحام للمذهبية في جائحة لا تستثني أحداً.
فكم قناة تلفزيونية عربية، ومواقع على الإنترنت، قدمت للإنسان العربي وصفات أقرب في محتواها إلى الدجل والشعوذة من الحقيقة؟ بل، واستحضرت غيبيات واتكالية مفزعة، لا تختلف عن ركوب حاخامات الاحتلال رؤوسهم، معتقدين جدياً أنهم "شعب الله المختار"، وما يصيب الغوييم لا يصيبهم.
ليس فقط التطيّر من على الشاشات ما أثار الانتباه، بل في جرأة هذا الدجل، والتغطية المستهترة بوباء عالمي بـ"عصرة ليمون" و"بعض الجرجير"، بل فوضى النظام كله، قبل الوباء.
عدا ذلك، وأخطرها، تلك التغطية التي استحضرت نظرية المؤامرة، وبالتحديد لدى خط تحريري معيَّن، يسمى ممانعة، وموجه، في العالم العربي وإليه. فهي "المؤامرة" التي استنفرت فيها وسائل إعلام، (ومن بينها تقارير لـ"روسيا اليوم" بالعربية)، يفترض أنها تمارس إعلاماً لا بروباغندا، فشحذت كل أسلحة الخيال، عدا الحقيقة، لمواجهة دول وشعوب لوباء، يعتقدون أنه سيختفي بمجرد وصفه بالمؤامرة، أو بإظهار مذيع شاشات الاستبداد لغضبه، على طريقة ذلك القس الأميركي الذي يشفي عبر الشاشة كأحد منجمي ومشعوذي "الأعشاب" من بغداد. ألا يفكر هؤلاء مرة واحدة في ما يزرعونه في عقول أجيال تشاهد كآبة الحال وتعيش وسط صراخ غير مجدٍ؟
وقد يكون اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي حددته الأمم المتحدة، في الثالث من مايو/ أيار من كل عام، فرصة مع انتشار هذه الجائحة، ليدرك الناس الحاجة الماسّة لوسائل الإعلام المسؤولة والمهنية، وليس لبروباغندا سياسية وانتهازية رخيصة.