لم يتوقع الطلاب في العراق أن يكونوا عاجزين عن الاحتفال بتخرجهم هذا العام، وهو الحدث الذي ينتظرونه مع عائلاتهم بفارغ الصبر. وعلى الرغم من الظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها البلاد على مدى سنوات طويلة، إلا أن حفلات التخرج كانت تُقام في الجامعات والكليات وقاعات المناسبات. لكن يبدو أن فيروس كورونا كان أكثر قساوة، إذ حرم طلاب العراق من فرحة التخرج.
وجرت العادة بأن تبدأ حفلات تخرج طلاب الجامعات والمعاهد في شهر إبريل/ نيسان وحتى بداية شهر مايو/ أيار. وسجل العراق أول إصابة بفيروس كورونا في 24 فبراير/ شباط الماضي في مدينة النجف (جنوب البلاد)، وما زال يسجل إصابات في مدن مختلفة، خصوصاً في العاصمة بغداد.
وكان التوقّف عن الدراسة في مختلف المدارس والجامعات من بين الإجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية لمواجهة الفيروس، ما حرم الطلاب الذين أنهوا دراستهم الجامعية من التعبير عن فرحتهم. إلا أن الطالبة حنين أحمد تقول إن "فرحتها أكبر بكثير من فرحة حفل التخرج الذي خسرته". توضح لـ "العربي الجديد" أن والدتها أصيبت بكورونا وكانت على وشك أن تفقدها، لكنها تعافت بعد نحو شهر من العلاج. تضيف: "شفاء والدتي أنساني همي وحزني بعدم إقامة حفل تخرجي الذي كنت أنا وجميع أفراد أسرتي ننتظره".
ولا يقتصر الاهتمام بإقامة حفلات التخرج على الطلاب فقط، إذ إن عائلاتهم تنتظر هذه المناسبة للفرح. تقول جنان السهيل إنها كانت تعد العدة لإقامة حفل خاص لتخرج ولدها، عدا عن حفلة تخرج جماعية يقيمها وأصدقاؤه. تضيف لـ "العربي الجديد": "أحمد ولدي الوحيد، وقد قتل والده على يد الإرهابيين في عام 2005، وكان ما زال صغيراً. كنت أنتظر إقامة حفل تخرج خاص لكن لا أعرف من أين جاء فيروس كورونا".
وتحظى المناسبات الترفيهية باهتمام بالغ من قبل الجهات الراعية للعملية التربوية والتعليمية كونها تساهم في تحسين نفسية الطالب وتحفيزه على تحقيق أحلامه، بحسب أستاذ الإعلام في الجامعة المستنصرية (بغداد) حيدر شهيد هاشم،. يقول لـ "العربي الجديد" إن "حرمان الطلاب من الاحتفال نتيجة الظروف الصحية التي فرضها فيروس كورونا له انعكاسات نفسية كبيرة على الطلاب، لا سيما أنهم بدأوا التحضير للاحتفال منذ مطلع العام الدراسي، وكانوا يأملون تحسن الظروف لتنظيم تلك الحفلات".
ويرى أنّ هذه الفعالية لها مكانة كبيرة في نفوس الطلاب، "كونها تعتبر الحفل الأكبر خلال مسيرة حياتهم باعتبارها تمثل يوم التتويج بالشهادة العلمية التي قضوا سنوات طويلة من حياتهم في العمل على تحقيقها، فضلاً عن كونها باتت تتخذ مظاهر خاصة لدى الأجيال الحالية". يُتابع: "نلمس الانكسار والحسرة لدى الطلاب من خلال تواصلنا معهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي".
ولحفلات التخرج في العراق طقوس خاصة، ويُقيم الطلاب أكثر من حفل تخرج. هناك حفل التخرج الرسمي الذي يقام داخل قاعات أو حدائق الجامعات، والحفلات غير الرسمية التي تأخذ أكثر من طابع، إذ يقيم طلاب الكليات جميعهم أو بعضهم حفلات تخرج من خلال ارتداء أزياء تنكرية داخل الجامعات، عدا عن حفلات أخرى يقيمونها في قاعات مناسبات خاصة، علماً أن بعض هذه الحفلات تكلف مبالغ مالية كبيرة يتقاسم تكاليفها الطلاب في ما بينهم.
ويلفت ليث العبيدي، الذي يدير قاعة مناسبات في بغداد، إلى إن التخرج يعدّ موسماً جيداً للربح. يقول لـ "العربي الجديد" إن "موعد حفلات التخرج ينطلق في الربيع تزامناً مع موسم حفلات الزفاف، وبالتالي يكون هناك إقبال على حجز القاعات لمختلف المناسبات". وخلال هذه الفترة، يوضح العبيدي أن أسعار حجوزات قاعات المناسبات ترتفع، وتقام في اليوم الواحد أحياناً ثلاث مناسبات داخل القاعة الواحدة. يضيف: "غالباً، فإن القاعات تحجز لمناسبتين في اليوم الواحد أثناء الموسم المزدحم. تبدأ الحفلة الأولى عند الساعة الثانية عشرة ظهراً حتى الرابعة من بعد الظهر، فيما تبدأ الثانية عند الساعة الخامسة مساء وتنتهي في العاشرة ليلاً".
وخلال موسم حفلات التخرج، تقام في القاعة الواحدة أحياناً ثلاث حفلات (خمس ساعات لحفلتين وثلاث ساعات لحفلة واحدة). بذلك، توفر الحفلات دخلاً جيداً ليس فقط لأصحاب قاعات الحفلات والعاملين فيها بحسب العبيدي، بل لعدد كبير من أصحاب المهن، كالموسيقيين ومعدي الأطعمة والحلويات والمصورين وغيرهم.
وعادة ما يعمد المتخرجون إلى إقامة جلسات تصوير يعدّ بعضها مكلفاً للغاية، ويرتدون أزياء خاصة بالمناسبة. وأحياناً، يقيمون جلسات تصوير في منطقة صحراوية، وينصبون الخيم ويرتدون أزياء بدوية، أو يُجسدون شخصيات تاريخية ويسافرون إلى إحدى المناطق الأثرية لكي يلتقطوا الصور هناك. ويعتمدون في جلسات التصوير هذه على مصورين محترفين. يقول سعد اللامي، وهو مصور يعتمده الطلاب في جلسات تصوير حفلات التخرج، إن هذه الحفلات "توفر فرصة للشهرة أيضاً بالنسبة للمصورين". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "المصورين المحترفين يتنافسون اليوم لابتكار جلسات تصوير كي يجذبوا إليهم الطلاب خلال موسم التخرّج، وبالتالي ينالون شهرة لدى تصوير هذه المناسبات، فضلاً عن كونها تدر ربحاً جيداً". ويستدرك قائلاً: "الموسم الحالي لم يعد كما في السابق، بل كان موسم خسارة بالنسبة للكثير من المصورين".