كورونا يشعل المنافسة السياسية في تونس: معركة إقصاء صامتة

28 ابريل 2020
كورونا التحدي الأكبر للتونسيين في رمضان (ياسين القائدي/ الأناضول)
+ الخط -
أفضت تأثيرات فيروس كورونا في تونس إلى تعديلات لافتة على الساحة السياسية التونسية، مع تقدّم شخصيات عدة إلى الواجهة وتراجع أخرى، في استيلاد لمشهد تنافسي صامت ستتبلور نتائجه وتداعياته مع اقتراب نهاية الأزمة، لا على مستوى هذه الشخصيات فقط وإنما على مستوى أحزابها وقواها السياسية أيضاً. وهو ما أظهره في هذا السياق مؤشر "البارومتر السياسي" الذي أنجزته مؤسسة "سيغما كونساي" وصحيفة "المغرب" بين 15 إبريل/ نيسان الحالي و18 منه، ونُشر يوم الثلاثاء الماضي. وتبين أن أكبر المستفيدين في مستوى الثقة الكبيرة للشخصيات السياسية هما وزير الصحة عبد اللطيف المكي ورئيس الحكومة إلياس الفخفاخ. وعلى الرغم من محافظة رئيس الجمهورية قيس سعيّد على تقدمه بحصوله على نحو 61 في المائة من ثقة المستطلعين، إلا أن المكي، الذي لم يكن موجوداً أصلاً في قائمة الشخصيات المتنافسة، اقترب منه بشدة بنسبة 51 في المائة وكذلك الفخفاخ بنسبة 44 في المائة. ويُمثّل خزّان الثقة النسبية عند الفخفاخ 23 في المائة مقارنة بسعيّد الذي نال 24 في المائة والمكي 17 في المائة. وخسر سعيّد أيضاً 6 نقاط في مؤشرات الثقة الكبيرة، بينما ربح الفخفاخ 17 نقطة، فيما حقّق المكي رقماً كبيراً بحصوله على 37 نقطة دفعة واحدة. ووفقاً لما أورده الاستبيان، فقد تراجعت شخصيات كثيرة في هذا المؤشر، من بينها وزير الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد محمد عبو، الذي خسر 11 نقطة، وكذلك النائب الصافي سعيد ورئيس الحركة الديمقراطية أحمد نجيب الشابي اللذين فقدا 9 نقاط، وخسرت رئيسة لجنة التشريع البرلمانية، القيادية في حزب التيار الديمقراطي سامية عبو 8 نقاط، وتراجعت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي 7 نقاط. ويحمل الصعود الكبير للمكي والتقدم المهم للفخفاخ جوّاً من التنافس الشديد مع سعيّد الذي كان يتحرك وحيداً في الفضاء الشعبي منذ الانتخابات الرئاسية، أواخر العام الماضي.

ولا يبدو هذا التنافس نظرياً فقط من خلال استبيانات الرأي، فقد أظهرت الوقائع أن سعيّد دخل في منافسة مباشرة مع المكي، وبات يستبعده من الاجتماعات التي يعقدها للنظر في مسائل صحية على علاقة مباشرة بفيروس كورونا، على الرغم من أنه صاحب المسؤولية الأولى. مع العلم أنه منذ 17 مارس/ آذار الماضي، لم يتمّ استقبال المكي في اجتماعات سعيّد، التي بحثت في أغلبها مسائل صحية، بل فضّل الرئيس التونسي استقبال كوادر من وزارة الصحة أو من الصحة العسكرية، وهو ما اعتبره كثيرون إقصاءً مقصوداً ونوعاً من التنافس غير المفهوم. أما سعيّد فيعمل على تكثيف تحركاته الشعبية، مصرّاً على التحرك في نفس الإطار الذي قفز به إلى السلطة، أي المناطق المهمشة، وبنفس الخطاب المنتقد للحكومات وتهميشها الفئات الضعيفة، وذلك في محاولة منه للتميّز عن الحكومة والبرلمان بالأخطاء التي ترتكبها وسترتكبها نظراً إلى ضعف الإمكانات وصعوبة الأزمة الأخيرة. كذلك عقد سلسلة اجتماعات صحية تقنية مع مسؤولين متخصصين، وتحرّك أيضاً بقوة على الصعيد الدولي، لتفادي محدودية الصلاحيات المتاحة له دستورياً. وقد تمكن من تحقيق اختراق مهم في هذا الاتجاه، عاملاً على تقديم مبادرة لمجلس الأمن انطلاقاً من مقاربة إنسانية مغايرة، ما جعله ينافس بقوة على قيادة معركة كورونا وعدم الاكتفاء بموقع تنفيذي شرفي.

في السياق، يكشف القيادي في حركة النهضة نور الدين العرباوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك استغراباً في صفوف حركة النهضة من تغييب وزير الصحة عبد اللطيف المكي في مجلس الأمن القومي، المنعقد في رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن الموضوع متعلق بالصحة ومواجهة كورونا، مشيراً إلى أن الأصل هو حضوره، لكنه لم يكن موجوداً، وهذا أمر غريب. ويرى أن لا تفسير فعلياً لتغييب المكي لأنه لا يمكن له أن يغيب عن مجلس مماثل، معتبراً أنه لو تمّت دعوته لحضر، بالتالي فالأغلب أنه لم تتم دعوته. 

بدوره، يعتبر رئيس الكتلة الوطنية بالبرلمان حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أزمة كورونا عمّقت من التنافس السياسي في تونس، فمن ناحية الخطاب هناك تغليب للمصلحة الوطنية، ولكن في عمق الحياة السياسية توجد محاولات عدة للتموضع استعداداً لمرحلة ما بعد كورونا. ويوضح أنّ الصراع السياسي لا يزال قائماً، ويظهر ذلك في الصراع بين السلطات، وفي علاقة رئيس الجمهورية برئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، فقد كان الصراع جلياً، سواء في التفويض للحكومة أو في قرارات مجلس الأمن القومي أو مبادرة مجلس نواب الشعب في التعامل مع الأزمة. ويرى المليكي أن الصراع، ولو كان خفياً، إلا أن الغاية منه تعزيز المواقع ما بعد كورونا، مشيراً إلى أنّ كل شخصية، سواء كانت رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو وزير الصحة، تحاول البروز وكأنها تقود الأزمة والمرحلة.


وحول أداء رئيس الحكومة في الأزمة، يعتبر المليكي أنّ حكومة الفخفاخ تسلمت الحكم ودخلت بعد فترة وجيزة في أزمة كورونا، وظهرت بعض الاضطرابات في البداية لناحية التعامل الحكومي مع الأزمة، خصوصاً أنها ليست مستعدّة لأزمة من هذا القبيل، مذكراً بأن الحكومة هي حكومة محاصصة حزبية، بالتالي لا تربط الوزراء علاقة متينة والوقت لم يسعفهم لتشكيلها. ويلفت المليكي إلى أن تعامل الحكومة مع الوقائع كان وفقاً لمبدأ "كل يوم بيومه"، لأنّه لم يكن هناك حيّز زمني أمامها، مضيفاً أن توجه الحكومة كان مركّزاً على الأزمة الصحية وليس على إجراء مقاربة شاملة اجتماعية واقتصادية. ويرى أن الأداء الاتصالي متوسط، والإشكال ليس في القرارات بل في تنفيذها، كما أن محاولات البروز من قبل بعض الوزراء كانت من خلال الحضور الإعلامي وكأنهم هم القياديون في زمن الأزمة.

وعلى عكس المليكي، يعتبر النائب عن حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، أنّ الأزمة زادت من التناسق بين مختلف القوى السياسية لأن الهدف واحد، وهو مواجهة كورونا، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الوسائل المعتمدة، على الرغم من اختلافها، تتشارك في هذا الهدف الموحّد. ويلفت إلى أن بطء الإجراءات الاجتماعية قد يضعف الموقف والأداء، موضحاً أنّ هذا التنسيق جعلنا نطمئن نسبياً حول الناحية الصحية في مسألة انتشار العدوى وحجم الوفيات والإصابات. ويضيف عويدات أن ما يخيف فعلاً هو الأزمة الاقتصادية التي قد تحوّل التناسق الحالي إلى تنافر وإلى إلقاء كل طرف المسؤولية على الآخر، بما يسمح في تفجير الأوضاع الاجتماعية، لأن هناك أكثر من 1.2 مليون مواطن كانوا يسترزقون من الأنشطة اليومية وهم اليوم عاطلون.

ويشدّد على أنه لا يجب النظر إلى خرق وزير الصحة الحظر الشامل بمناسبة تدشين وحدة استشفائية في سوسة بفعل الاكتظاظ، بل يجب النظر إليه بمنظور إيجابي نظراً لأهمية الحدث لناحية بناء وحدة استشفائية في ظرف 15 يوماً وهو أمر لا يحصل دائماً، مضيفاً أن التناسق تمّ بين مكونات المجتمع المدني وجمعيات عدة تعمل معاً وتنسق القوائم لمد المساعدات، بالتالي فإذا كان البروز الشخصي متبوعاً بعمل لمصلحة تونس ويساعد في مواجهة الأزمة، فهو أمر جيد لأن المهم هو النتيجة.

أما المحلل السياسي، ماجد البرهومي، فيبدي اعتقاده في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الأزمة كشفت للأسف سعي البعض للبروز على حساب مصلحة التونسيين وصحتهم وعلى حساب الإجراءات والقرارات المتخذة، مبيناً أنّ سعيّد ارتكب خطأ أثناء زيارته القيروان الذي أدى إلى تجمّع المواطنين، وذلك في خرق للحظر، ودلالة على غياب الخبرة السياسية. ويضيف أن رئيس الحكومة تصرّف أيضاً بتسرع عندما بشّر المواطنين بالمساعدات الاجتماعية فتدافعوا إلى مراكز البريد. كما أن وزير الصحة، وفي إطار المنافسة السياسية، أخطأ في تدشين وحدة صحية في سوسة، وكان يمكن أن يفاقمه بخطأ آخر لو قرر رفع الحظر الصحي استجابة لضغوط رؤوس المال والأعمال.

ويشدّد البرهومي على أنّ أداء رئيس الحكومة في الإعلان عن حظر التجول والحظر الشامل كان صائباً وضرورياً، أما عند الإعلان عن المساعدات الاجتماعية فقد تسرّع، كما أن أداء بعض وزراء الفريق الحكومي الآخرين، كوزير الصناعة صالح بن يوسف، يمكن اعتباره هزيلاً. ويضيف أنّ تعامل وزير الشؤون الاجتماعية الحبيب كشو، كان دون المأمول، لأن الفئات التي كان يجب أن تشملها المساعدات وجدت نفسها مقصية، فضلاً عن عدم الاهتمام بفئات أخرى، ليخلص إلى أن الدولة كان من الممكن أن تكون أقوى وتضغط أكثر على القطاع الخاص ليعاضد جهودها، ولكنها لا تزال في مواقع عدة ضعيفة.