كورين جابر.. خلطة المصائر السورية

13 مايو 2014
تصوير: تريسترام كِنتون
+ الخط -

بآدائها المُحكم استحقت الممثلة الألمانية السورية، كورين جابر، دور الممثل والحكواتي في العرض المونودرامي "oh my sweet land" (آه يا بلادي الحُلوة)، الذي استطاع النجاة من فخ الملل والاستسهال الذي كثيراً ما تقع فيه عروض المونودراما.

كان بإمكان الجمهور التواصل مع معطيات البيئة المسرحية للعرض قبل بدئه فعلياً بنحو خمس دقائق؛ إذ لم يكن موجوداً الستار الكلاسيكي الذي يفصل بين صالة الجمهور وخشبة المسرح.

ثلاجة، طاولة مطبخ، وموقد غاز إلى اليمين، في إشاريةٍ متعمَّدة إلى الشرق كمسرحٍ للحكاية، شكَّلت عناصر إنتاجية بسيطة لتلك التجربة الفنية التي قدّمت كورين خلالها صوراً متشظية لصراعِ نفسيِ يدور داخلها مستخدمةَ أصوات درامية مستدعاة من بؤرٍ في الذاكرة لم تتصالح معها بعد.

أثناء انشغالها بتقطيع اللحم لصنع "الكبّة"، بدت كورين منوَّمة وهي تعود بالذاكرة إلى سن التسع سنوات، حيث جدتها ذات العباءة السوداء الكئيبة التي زارت بيتهم في "ميونيخ" لأسبوعين، دأبت خلالهما على صنع الكبة بشكلٍ يومي لتورثها ذاكرة كئيبة ممزوجة برائحة اللحم عن وطنها الأصلي الذي لم تزره يوماً.

استعادت كورين تلك الذاكرة خلال علاقتها بـ"أشرف"، الناشط السياسي الهارب من المخابرات السورية، حين دعته إلى بيتها ممنيةً نفسها بأن تُشبع "الأكلة" السورية بعضاً من حنينه المستبد إلى الوطن؛ لكن الحبيب الذي أتى إليها غارقاً في توتره وخوفه ورائحة تبغه، خذل توقعاتها بانشغاله في محاولة إنقاذ أحد أصدقائه من قبضة الأمن وتهريبه خارج سوريا.

بدأت قصة حبّها مع أشرف بعشاء الكبة وتواصلت رغم خوفه وحنينه وأسلاك الكمبيوتر التي تشده إلى سوريا، لكنها لم تنتهِ باختفائه المفاجئ؛ إذ تروي لنا كورين - من خلال تقنية الاستدعاء الذهني ذاته ومستعينةً بالمونولوج والمناجاة ـ عن المعاناة التي خبرتها أثناء بحثها عن حبيبها المتزوج وأسرته في ثلاث دول هي الأردن ولبنان وسوريا؛ فقط لتطمئن أنه ما زال على قيد الحياة.

تتنقل كورين بين مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتُحاصَر بحكايات شقائهم وتشردهم التي حرصوا على سردها لها باعتبارها صوتهم إلى الغرب، بينما هي تكتم لوعة فقدها لـ أشرف وتحاول صم آذانها حالمة فقط بالنوم.

تواصل كورين سرد الحكاية بينما تتآمر رائحة البصل المحترق وأصوات التقطيع وغليان الزيت، لمحاصرة الجمهور بحالة فريدة من التوحد مع الممثلة وأدائها المؤثر.

مسحة النقد التي وشَّحت بها كورين صور الأحداث المسترجعة في تسلسل منطقي، ظهرت في جمل كثّفها كاتب ومخرج العمل، الفلسطيني أمير نزار زعبي: "لا شيء أهلي في تلك الحرب الأهلية"، أو في جملة كتلك التي اختتمت كورين بها العرض بعد أن وضعت الكبّة في الزيت المغلي قائلة: "استمع إلى صوت الزيت وهو يغلي، وامتن لأن القطرات المتطايرة لم تصب بياض عينيك".

العرض الذي حفل بالرموز والإشارات حاول نقل الواقع السوري إلى المسرح البريطاني (خشبة مسرح "يونغ فيك" اللندني) منتصراً للبشر الذين تُقطّع أوصالهم ويعاد تشكيلهم وطبخ مصائرهم في مكاتب سياسيي العالم، تماماً كاللحم في ثلاجة كورين التي اختتمت العرض بفتح بابها لأعيننا بقوةِ صفعة.

دلالات
المساهمون