ولا تقتصر علاقة كوشنر بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على موقعه الوظيفي داخل البيت الأبيض فحسب؛ فهو صهره ومستشاره المقرّب وشريكه التجاري، وسليل إمبراطورية نيويورك العقارية التي تواجه اليوم خطرًا محدقًا نتيجة لاستثمار كوشنر في المبنى رقم 666 في الجادّة الخامسة بالمدينة، قبل أن يفقد لاحقًا، وبفعل الأزمة المالية العالمية، كثيرًا من قيمته، ويتحول إلى صفقة خاسرة.
وبينما تواجه قطر حصارًا متواصلًا تقوده السعوديّة والإمارات، وتنخرط فيه مصر والبحرين أيضًا، تذكر بعض التقارير أن كوشنر لعب دورًا رئيسيًّا خلف الكواليس في تقوية الموقف الأميركي تجاه الدول المحاصرة، وقد تجسّد ذلك عبر تأييد ترامب لمزاعم دول الحصار في تغريدات منفصلة عن الموقف الرسمي الذي تبنّته الخارجيّة الأميركية و"البنتاغون".
ويتّصل هذا الموقف المتصلّب، كما يقول معدّو التقرير، بصفقة النصف مليار دولار، التي لم يتمّ الإبلاغ عنها، ولم تستكمل أبدًا. وخلال عامي 2015 و2016، تفاوض جاريد كوشنر، إلى جانب والده، تشارليز، بشكل مباشر مع مستثمر رئيسي في قطر، هو وزير الخارجية القطري الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، في محاولة لإعادة تمويل عقار في الجادة الخامسة.
ويضيف الموقع أن ترامب نفسه سعى، دون جدوى، إلى الحصول على تمويل من القطريين في السنوات الأخيرة. غير أن الأمر مختلف بالنسبة لكوشنر؛ بالنظر إلى الأهمّية التي يحظى بها استثمار الجادّة الخامسة بالنسبة له، ولشركته وإرث عائلته في مجال العقارات. وعلى النحو الذي تسير عليه الأمور حاليًّا، من دون تدخّلات خارجيّة، أو طروء تحوّل غير متوقع في السوق؛ يقدّر معدّو التقرير أن الاستثمار يمكن أن يتحوّل إلى خسارة محرجة لكوشنر مقدارها نصف مليار دولار، وإن لم يكن واضحًا، حتى الآن، حجم الضرر الذي يمكن أن تسبّبه تلك الخسارة لثروة كوشنر وعائلته المالية، نظرًا لغموض حيازاتهم الخاصة.
وينقل الموقع عن أشخاص اطّلعوا على تفاصيل الصفقة أن الشيخ حمد بن جاسم وافق أخيرًا على استثمار 500 مليون دولار على الأقل، عبر اليخت الذي يمتلكه "المرقاب"، والمقدرة قيمته بـ300 مليون دولار؛ لكنه اشترط لذلك عدّة أمور: أهمّها أن تكون شركات كوشنر قادرة على جمع باقي الملايين المطلوبة لإعادة التمويل من مكان آخر. وبحسب التقرير، فقد استمرّت المفاوضات طويلًا بعد الانتخابات الأميركية، واضطلع بها والد كوشنر خلال ربيع هذا العام، وفق ما أكّده مصدران مطّلعان على معرفة بتفاصيل المحادثات، فيما ادعى مصدر آخر أن الصفقة المحتملة لم تتوقف على شرط الأموال الباقية المطلوب جمعها؛ وأن استثمار بن جاسم قد تمّ تعليقه تبعًا لإعادة النظر في الهيكل العام للتمويل من أساسه.
ويفصّل التقرير أن الـ500 مليون دولار لم تكن كافية بعد بالنسبة لعائلة كوشنر. وفي محاولة لسدّ فجوة التمويل؛ تحولت شركة العائلة إلى الصين، وهناك استمرّت بتتبّع شركة تأمين تجمعها علاقات وثيقة بالنخبة الحاكمة في البلاد، ولكنها، مثل المستثمرين الآخرين، لم تكن مهتمّة حقًّا بالاتفاق بعد الانتخابات. وفي هذا السياق، ينقل الموقع عن مصدر مطّلع على الصفقة أن عائلة كوشنر خاضت مداولات مع بن جاسم حتّى قبل ترشيح ترامب نفسه للرئاسة في تموز/يوليو 2015.
وفي مارس/آذار من هذا العام، تم الكشف عن تفاصيل المحادثات بين كوشنر والشركة الصينية "أنبانغ"، إذ كان مقرّرًا أن تستثمر الشركة الصينية 400 مليون في المشروع، بينما ستطرح عائلة كوشنر 750 مليون دولار أخرى، وسيساهم مستثمرون آخرون، من بينهم بن جاسم، في ما مجموعه مليارَي دولار إضافيّة لإعادة التمويل، وفقًا لوثيقة تمّ إطلاع مستثمرين عليها ونشرها في موقع "بلومبيرغ". ذلك الاستثمار، كما يفصّل التقرير، سيكون مناسبًا للتوجّه الذي تبنّته قطر نحو زيادة الاستثمارات القطرية في سوق العقارات بنيويورك. صندوق قطر للثروة السيادية رفع استثماراته في قطاع العقارات بمدينة نيويورك خلال السنوات الأخيرة، حتى بات يمتلك العديد من العقارات الاستثمارية في لندن ونيويورك.
لكن لاحقًا انسحبت شركة "أنبانغ" الصينية من الصفقة، وتحديدًا حينما ووجهت بانتقادات تتعلق بمسألة تضارب المصالح، نظرًا لدور كوشنر المستجدّ في البيت الأبيض. ومع انسحاب "أنبانغ"، لم يتمّ الوفاء بالشرط القطري، وتوقّفت حينئذ الصفقة الخليجية، وفق ما ينقل الموقع عن "مصدر في المنطقة". غير أن تسلسل الأحداث هذا عارضه مصدر آخر، قائلًا إن الصفقة بين بن جاسم وعائلة كوشنر لم تكن ميّتة؛ بل معلّقة إلى حين إعادة النظر في مزيج من الصفقات والقروض.
ويخلص التقرير إلى القول إن الكشف عن صفقة بقيمة نصف مليار كتلك يثير تساؤلات أخلاقية شائكة وغير مسبوقة؛ فإذا لم تكن الصفقة "ميّتة تمامًا"، كما يقول المصدر المذكور، فذلك معناه، من جهة، أن كوشنر يضغط من أجل استخدام قوة الدبلوماسية الأميركية لضرب دولة صغيرة، بينما تأمل شركته، من جهة أخرى، في استخراج كمية غير عادية من رأس المال في الدوحة لمصلحة استثمار فاشل. ومع ذلك، إذا كانت الصفقة "ميتة" حقًّا؛ فإن تلك الخطوة قد يُنظر إليها على أنها بمثابة "ترهيب" للمستثمرين الآخرين الذي يقفون على أعتاب الخروج من ملعب شركات كوشنر.
(العربي الجديد)