جولة كوشنر في المنطقة: 4 تحديات تواجه "خطة السلام"

20 يونيو 2018
بدأ كوشنر جولته إلى الشرق الأوسط أمس الثلاثاء (Getty)
+ الخط -
دخلت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في المخاض الأخير قبل إعلان "خطة السلام" الموعودة بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة بـ"صفقة القرن"، مع بدء كبير مستشاري ترامب وصهره، جاريد كوشنر، أمس الثلاثاء من الأردن، جولته إلى الشرق الأوسط، والتي يرافقه فيها المبعوث الأميركي للملف الإسرائيلي-الفلسطيني، جيسون غرينبلات، وتشمل أيضاً إسرائيل ومصر وقطر والسعودية. وفي هذا السياق التقى كوشنر، أمس، العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، وبحثا الوضع في غزة وجهود إدارة ترامب لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بحسب ما ذكر البيت الأبيض. ورغم بدء هذه اللقاءات، إلا أنّ الغموض لا يزال يحيط بهذه الخطة التي يعمل عليها كوشنر وغرينبلات منذ حوالي عام، على الرغم من أنها باتت شبه جاهزة من وجهة نظر البيت الأبيض، وبانتظار توضيح بعض المسائل خلال الجولة الإقليمية قبل الإعلان عنها رسمياً. وهناك أربعة تحديات رئيسية قد تحدد مصير هذه الخطة وهي:

العلاقات الأميركية-الفلسطينية

تأتي جولة كوشنر في ظلّ انقطاع أيّ تواصل بين البيت الأبيض والسلطة الفلسطينية منذ حوالي ستة أشهر، بعد قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. ويسعى البيت الأبيض لإبقاء الضغوط على السلطة الفلسطينية، لكنّه يترك الباب مفتوحاً في الوقت نفسه لتطبيع العلاقات. ومن بين المساعدات الأميركية المخصصة للسلطة الفلسطينية لعام 2018 (نحو 251 مليون دولار)، جمّد البيت الأبيض مبلغ 200 مليون دولار منها، بالإضافة إلى تجميد مبلغ 65 مليون دولار مخصص لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا). كما تجاهل البيت الأبيض في الفترة الأخيرة توصيات وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، باستئناف هذه المساعدات، إذ يبدو أنّ هناك نية بربطها بالموقف الفلسطيني من "صفقة القرن".

لكن من جهة أخرى، يوجّه البيت الأبيض رسائل "إيجابية" غير مباشرة للسلطة، عبر تسريبات إلى الصحافة الإسرائيلية، تُفيد بأنّ خطة السلام ستكون أساساً للتفاوض وليس حلاً مفروضاً، وبأنّ واشنطن تعتبر رئيس السلطة محمود عباس، المحاور الفلسطيني الوحيد وأنها لا تحاول تجاوزه. ولعلّ ما يسعى إليه كوشنر هذا الأسبوع هو محاولة جديدة لإقناع الطرف الفلسطيني، عبر زيارة دول عربية حليفة، بإبداء ليونة تجاه الخطة الأميركية.

 


تعقيدات الواقع الاقليمي

مع استمرار الغموض حول طبيعة "صفقة القرن"، يكشف البيت الأبيض تباعاً عن خطة لتوفير تمويل خليجي لمشاريع اقتصادية في قطاع غزة بقيمة مليار دولار، بما في ذلك توفير الطاقة، في ظلّ الانقطاع المتواصل للكهرباء في القطاع، وإنشاء ميناء بحري وشبكة للطاقة الشمسية شمال سيناء على الحدود الجنوبية لغزة. والهدف المُعلن لهذه المقاربة هو أنها تساهم بتوفير مناخ إيجابي يساعد على تحريك المفاوضات، لكنها في الواقع قد تؤدي إلى تأجيج التوتر في قطاع غزة. فالمساعدات السعودية سيتم إدخالها عبر معبر رفح بين القطاع وشبه جزيرة سيناء، ما سيعزز الدور المصري في غزة، فيما ستواصل المساعدات التركية والقطرية الدخول عبر ميناء "أشدود" الإسرائيلي. وعلى المستوى الإقليمي، فإن إيران لم تلعب أوراقها في غزة بعد، وقد لا تبقى مكتوفة اليدين أمام محاولات تقييد نفوذها في القطاع.

وفي ظلّ التساؤلات حول موقف عمّان من خطة السلام بعد التظاهرات الأخيرة في الأردن وعودة الدعم الخليجي للمملكة الهاشمية، اجتمع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع الملك عبد الله الثاني يوم الاثنين الماضي، وسط تطمينات إسرائيلية بإبقاء الوضع على ما هو عليه في ما يتعلّق بالأماكن المقدسة في القدس، والوصاية الأردنية عليها. وبحال حصل تعديل في الموقف الأردني، فسيصبح عباس أكثر عزلة مع رفضه اقتراحات السلام الأميركية.

 

معضلة الإجماع الدولي

كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تُشرك المجتمع الدولي في المسار التفاوضي ضمن مبادئ عامة للسلام تمّ الاتفاق عليها خلال العقود الأخيرة. والنسخة الأخيرة من هذا الإجماع الدولي كانت تترجم في اللجنة الرباعية الدولية (تضم الولايات المتحدة، روسيا الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة). وفي هذا السياق، يسعى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، لعقد اجتماع موسّع الشهر المقبل بين كوشنر ووزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والأردن والسعودية وإسرائيل، لمقارنة الأفكار وتحديد ما هي "الخطوط الحمر" لأي مسار تفاوضي، في ظلّ قلق أوروبي من انحياز إدارة ترامب لصالح إسرائيل. ويبدو أنّ هناك محاولة أوروبية لوضع ضوابط على خطة البيت الأبيض التي حصلت إلى حدّ كبير، من دون مشاورات مسبقة مع المجتمع الدولي، وفي ظلّ تباين في السياسات يتعمّق بين الأميركيين والأوروبيين، لا سيّما حول الملف النووي الإيراني والرسوم التجارية.

 

عملية صنع القرار الأميركي

المشكلة الرئيسية لخطة ترامب للسلام هي في عملية صنع القرار، أي تسليم الملف إلى كوشنر وحده، وتهميش الدور التقليدي لوزارة الخارجية، فضلاً عن غياب أيّ إشراف جدي على الخطة من قبل مجلس الأمن القومي. وكان هناك تساؤلات منذ البداية حول العلاقة الوثيقة التي تربط بين كوشنر والمسؤولين الإسرائيليين.

وفي كتابها "Born Trump" الذي صدر أخيراً، لفتت مراسلة صحيفة "فانيتي فير"، إميلي جاين فوكس، إلى أنّ السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، رون ديرمر، أوحى لكوشنر سلفاً بملامح الخطاب الذي ألقاه ترامب أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية "إيباك" في شهر مارس/آذار 2016. وهناك في المقابل رواية أخرى تم كشفها أخيراً، وليس واضحاً إذا ما كانت تعبّر فعلاً عن موقف صهر الرئيس أو تمّ تسريبها لرفع رصيد كوشنر عربياً وإظهار أنه قادر على ترك مسافة مع المسؤولين الإسرائيليين. فبحسب صحيفة "هآرتس"، استخدم كوشنر في فبراير/شباط 2017 ألفاظاً نابية لتوبيخ ديرمر عندما طلب الأخير من مستشار الأمن القومي الأسبق مايكل فلين (بدل كوشنر)، توقيع البيت الأبيض على وثائق تتعهّد بموجبها إدارة ترامب بعدم الطلب من إسرائيل التخلّي عن برنامجها النووي السري.

وهناك أيضاً السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي يغرّد كذلك خارج سرب وزارة الخارجية ويتواصل بشكل مباشر مع كوشنر والبيت الأبيض. ويضعف إبعاد وزارة الخارجية عن مسار صياغة ومتابعة خطة السلام الأميركية، موقف إدارة ترامب على المستوى الإقليمي والدولي. من هنا، كان لا بدّ من قيام وزير الخارجية مايك بومبيو بجولة أوروبية وعربية لدفع هذه الخطة في مرحلة إطلاقها. وفي السياق نفسه، هناك قناة اتصال مفتوحة منذ اجتماع الشهر الماضي بين رئيس جهاز الاستخبارات العامة الفلسطينية ماجد فرج وبومبيو، عشية تسلّم الأخير منصب وزير الخارجية رسمياً. وقد يكون لهذه القناة حظوظ أكبر في إحداث اختراق في العلاقات الأميركية-الفلسطينية.