20 نوفمبر 2024
كيف نقرأ احتجاجات تونس؟
عاشت تونس، في الأيام القليلة الماضية، على إيقاع احتجاجات اجتماعية واسعة، تزامنت مع الذكرى السابعة للثورة، ما دفع ناقمين كثيرين على ثورات الشعوب العربية التي انطلقت شرارتها من تونس إلى التشفي والتشكيك في مستقبل الثورة التونسية، الناجية الوحيدة من تسونامي الفوضى التي عاشتها الدول التي شهدت ثورات شعبية عام 2011.
وفي الواقع، لم تأت الاحتجاجات التونسية ضد الثورة التي شهدتها البلاد، وإنما على الإجراءات الجديدة التي جاء بها قانون المالية لعام 2018، والتي من شأنها أن ترفع الأسعار في ظل وضع اقتصادي صعب. وككل احتجاجات اجتماعية تلقائية، كان متوقعاً أن تخرج عن السيطرة، خصوصاً بعد تأخر الحكومة في الاستجابة لمطالب المحتجين، وبالتالي كانت كلفة تهدئتها عالية جداً، تمثلت في سقوط قتيل وكثير من الجرحى، وارتفاع عدد الموقوفين والمعتقلين الذين ناهزوا المئات، ونزول الجيش إلى الشارع، بالإضافة إلى مظاهر التخريب والنهب والفوضى التي خدشت وجه الثورة التونسية.
نجت تونس، حتى الآن، من الفوضى التي ضربت أغلب الدول العربية التي عرفت ثورات
شعبية، وأقامت نظاماً قريباً من الديمقراطي، قائماً على التداول السلمي للسلطة، لكنها فشلت في نهج سياسات اجتماعية واقتصادية قادرة على التخفيف من حالة الاحتقان الاجتماعي والخروج بالبلاد من وضع اقتصادي صعب.
وعلى الرغم من كل المشكلات التي يعيشها المواطن التونسي، والصعوبات التي تمر بها بلاده، تبقى تونس تجسد الأمل في نجاح أول تجربة انتقال ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية. فما عاشته تونس، أخيراً، وما تعيشه حالياً، من صميم المراحل الانتقالية الصعبة التي تشبه مرحلة المخاض المتقلبة، لكن المهم أن لا تفقد القيادة والنخبة التونسية الرؤية لمواصلة مسيرة التقدم نحو بناء النموذج الديمقراطي التونسي الذي خرج المتظاهرون يطالبون به قبل سبع سنوات.
حالة القلق التي تمر بها الثورة التونسية عادية جداً في مسار الثورات الحقيقية التي تخرج من رحم الشعب. فلا توجد ثورة في التاريخ ولدت مكتملة، أو أنها أنجزت كل شعاراتها دفعة واحدة، وفي فترة وجيزة. فما بعد الثورات يكون أصعب من لحظة الثورات نفسها، لأن الثورة تحدث زلزالاً كبيراً في البنيات الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومرحلة الاستقرار تتطلب وقتاً كبيراً وتضحيات أكبر.
فالتغير الاجتماعي الثوري هو الذي يفجر الصراعات الفكرية والأيديولوجية والاجتماعية التي تضرب المجتمع، قبل أن يتحقق الاستقرار. ومن هنا، لا بد من الاستعداد لمشكلات المرحلة الانتقالية، ولطبيعة الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية المستجدة، وهذه مهمة النخب السياسية والفكرية التي عليها تدبير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، للعبور من حالة التسلط السياسية والثقافية والاجتماعية إلى مرحلة إقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
مرحلة الانتقال الديمقراطي هي مرحلة رسم خطوط التماس الجديدة في ظل التدافعات والصراعات السياسية والاجتماعية الجديدة التي ستحدد طبيعة المرحلة ما بعد الثورية، مع ما يصاحب ذلك من تحولات في القيم والتصورات والذهنيات التي تحرّرها الثورة. ومن هنا ضرورة بناء التوافقات والأرضيات المشتركة، واحتواء مصادر الصراع والاستقطاب السياسي وإدارته على نحوٍ لا يسمح بالانفجارات الاجتماعية غير المتحكم فيها لتيسير انتقال ديمقراطى سلس.
اصطدمت كل الثورات العربية التي رفعت سقف المطالب والتوقعات بواقع إمكانات محدودة،
وهو ما يفسر بروز الاحتجاجات واحتدام الصراعات وتصاعد حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي.
وبالعودة إلى الاحتجاجات التونسية، وعلى الرغم من عنفها وردة الفعل التسلطية عليها، إلا أنها أظهرت أن أحد أهم مكتسبات الثورة التونسية أنها كسرت حاجز الخوف لدى التونسيين الذين لم يعد كثيرون منهم يخشون عنف السلطة. فقد شاهدنا بيئة جديدة تراجع فيها الخوف، ونزول الطبقة المتوسطة للتظاهر، وهي أكثر الطبقات حرصاً على الاستقرار، ولا ينبغي تفسير هذا النزول فقط بأن هذه الطبقة تضرّرت اقتصادياً، وإنما يجب أيضاً النظر إلى تحررها من حالة الخوف النفسي الذي كان يسيطر عليها.
كما أظهرت هذه الاحتجاجات بروز جيل جديد من الشباب التونسي الثائر الذي دخل إلى الساحة السياسية والفكرية، وهو حامل لمطالب وتطلعات سياسية وفكرية ومصالح اجتماعية خاصة به، وعدم الاستماع لهذا الجيل والتحاور معه قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتدمر في صفوفه. وأبانت الاحتجاجات نفسها عن ظهور المواطن التونسي العادي الباحث عن الخلاص الاقتصادي من همومه ومشكلاته، إلى جانب قوى اجتماعية وسياسية جديدة على ساحة الفعل السياسي بما ينبئ بعودة السياسة إلى الشارع، وهو ما سيؤدي إلى تحولات مهمة مستقبلاً.
وأخيراً، يظهر من حدة الاحتجاجات التي شهدتها تونس أخيراً، واتساع رقعتها في المكان والزمان، حجم التحديات الكبيرة التى تواجه الدولة التونسية وأجهزتها ونخبها السياسية الحاكمة والمعارضة معاً. فالطلب على الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية ما زال المحرّك لاحتجاجات الشارع التي تنتظر استجابات جديدة وخلاقة، تساير واقعاً متغيراً لا يرحم، ولم يعد مستعداً لمزيد من الانتظار، وغير قابل للاستكانة المؤقتة أو الاستقرار المزيف.
وفي الواقع، لم تأت الاحتجاجات التونسية ضد الثورة التي شهدتها البلاد، وإنما على الإجراءات الجديدة التي جاء بها قانون المالية لعام 2018، والتي من شأنها أن ترفع الأسعار في ظل وضع اقتصادي صعب. وككل احتجاجات اجتماعية تلقائية، كان متوقعاً أن تخرج عن السيطرة، خصوصاً بعد تأخر الحكومة في الاستجابة لمطالب المحتجين، وبالتالي كانت كلفة تهدئتها عالية جداً، تمثلت في سقوط قتيل وكثير من الجرحى، وارتفاع عدد الموقوفين والمعتقلين الذين ناهزوا المئات، ونزول الجيش إلى الشارع، بالإضافة إلى مظاهر التخريب والنهب والفوضى التي خدشت وجه الثورة التونسية.
نجت تونس، حتى الآن، من الفوضى التي ضربت أغلب الدول العربية التي عرفت ثورات
وعلى الرغم من كل المشكلات التي يعيشها المواطن التونسي، والصعوبات التي تمر بها بلاده، تبقى تونس تجسد الأمل في نجاح أول تجربة انتقال ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية. فما عاشته تونس، أخيراً، وما تعيشه حالياً، من صميم المراحل الانتقالية الصعبة التي تشبه مرحلة المخاض المتقلبة، لكن المهم أن لا تفقد القيادة والنخبة التونسية الرؤية لمواصلة مسيرة التقدم نحو بناء النموذج الديمقراطي التونسي الذي خرج المتظاهرون يطالبون به قبل سبع سنوات.
حالة القلق التي تمر بها الثورة التونسية عادية جداً في مسار الثورات الحقيقية التي تخرج من رحم الشعب. فلا توجد ثورة في التاريخ ولدت مكتملة، أو أنها أنجزت كل شعاراتها دفعة واحدة، وفي فترة وجيزة. فما بعد الثورات يكون أصعب من لحظة الثورات نفسها، لأن الثورة تحدث زلزالاً كبيراً في البنيات الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومرحلة الاستقرار تتطلب وقتاً كبيراً وتضحيات أكبر.
فالتغير الاجتماعي الثوري هو الذي يفجر الصراعات الفكرية والأيديولوجية والاجتماعية التي تضرب المجتمع، قبل أن يتحقق الاستقرار. ومن هنا، لا بد من الاستعداد لمشكلات المرحلة الانتقالية، ولطبيعة الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية المستجدة، وهذه مهمة النخب السياسية والفكرية التي عليها تدبير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، للعبور من حالة التسلط السياسية والثقافية والاجتماعية إلى مرحلة إقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
مرحلة الانتقال الديمقراطي هي مرحلة رسم خطوط التماس الجديدة في ظل التدافعات والصراعات السياسية والاجتماعية الجديدة التي ستحدد طبيعة المرحلة ما بعد الثورية، مع ما يصاحب ذلك من تحولات في القيم والتصورات والذهنيات التي تحرّرها الثورة. ومن هنا ضرورة بناء التوافقات والأرضيات المشتركة، واحتواء مصادر الصراع والاستقطاب السياسي وإدارته على نحوٍ لا يسمح بالانفجارات الاجتماعية غير المتحكم فيها لتيسير انتقال ديمقراطى سلس.
اصطدمت كل الثورات العربية التي رفعت سقف المطالب والتوقعات بواقع إمكانات محدودة،
وبالعودة إلى الاحتجاجات التونسية، وعلى الرغم من عنفها وردة الفعل التسلطية عليها، إلا أنها أظهرت أن أحد أهم مكتسبات الثورة التونسية أنها كسرت حاجز الخوف لدى التونسيين الذين لم يعد كثيرون منهم يخشون عنف السلطة. فقد شاهدنا بيئة جديدة تراجع فيها الخوف، ونزول الطبقة المتوسطة للتظاهر، وهي أكثر الطبقات حرصاً على الاستقرار، ولا ينبغي تفسير هذا النزول فقط بأن هذه الطبقة تضرّرت اقتصادياً، وإنما يجب أيضاً النظر إلى تحررها من حالة الخوف النفسي الذي كان يسيطر عليها.
كما أظهرت هذه الاحتجاجات بروز جيل جديد من الشباب التونسي الثائر الذي دخل إلى الساحة السياسية والفكرية، وهو حامل لمطالب وتطلعات سياسية وفكرية ومصالح اجتماعية خاصة به، وعدم الاستماع لهذا الجيل والتحاور معه قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتدمر في صفوفه. وأبانت الاحتجاجات نفسها عن ظهور المواطن التونسي العادي الباحث عن الخلاص الاقتصادي من همومه ومشكلاته، إلى جانب قوى اجتماعية وسياسية جديدة على ساحة الفعل السياسي بما ينبئ بعودة السياسة إلى الشارع، وهو ما سيؤدي إلى تحولات مهمة مستقبلاً.
وأخيراً، يظهر من حدة الاحتجاجات التي شهدتها تونس أخيراً، واتساع رقعتها في المكان والزمان، حجم التحديات الكبيرة التى تواجه الدولة التونسية وأجهزتها ونخبها السياسية الحاكمة والمعارضة معاً. فالطلب على الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية ما زال المحرّك لاحتجاجات الشارع التي تنتظر استجابات جديدة وخلاقة، تساير واقعاً متغيراً لا يرحم، ولم يعد مستعداً لمزيد من الانتظار، وغير قابل للاستكانة المؤقتة أو الاستقرار المزيف.