يبدو أنه مع مرور الزمن، لن تبقى أي مؤسسة ثقافية أو مجلة أو أكاديمية متخصصة بالسينما، لا تملك قائمتها الخاصة لـ "أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما"، والقوائم التي أصدرتها الجهات المختلفة، تختلف عن بعضها تبعاً للعامل الجغرافي وما يترتب عليه من تغييرات باللغة والثقافة والتوجهات السياسية وغيرها، وتسبب تعدد القوائم بنقاشات حادة بين الأوساط الثقافية، حول أي هذه القوائم هي الأفضل فعلاً. ولكن هل بإمكاننا حقاً أن نضع قائمة لأفضل 100 فيلم في تاريخ السينما؟
في الواقع، لا يمكن لأي جهة كانت أن تضع قائمة لأفضل 100 فيلم في تاريخ السينما، وأن تلاقي هذه القائمة قبولاً عاماً، ويعود ذلك للعديد من الأسباب:
المركزية الأميركية
منذ أن وضع معهد "الفيلم الأميركي" أول قائمة لأفضل مائة فيلم في تاريخ السينما سنة 1998، بدت مشكلة المركزية واضحة، فأغلب الأفلام الموجودة في هذه القائمة هي أفلام أميركية، وإن كان هناك بعض الاستثناءات، فهي كانت لأفلام غير أميركية ناطقة باللغة الإنكليزية، مثل فيلم "لورانس العرب" البريطاني؛ وحتى في القوائم التي تحاول أن تتحرر من المركزية الأميركية، مثل القائمة التي أصدرتها مجلة "تيليراما" الفرنسية منذ أيام، فإن النسبة الأكبر تحتلها الأفلام الأميركية في القائمة، برصيد 37 فيلماً، وتليها السينما الفرنسية، إذ حضرت من خلال 26 فيلماً، في حين لم تتضمن القائمة أي فيلم عربي أو أفريقي، ولم توجد سينما شرق آسيا سوى بفيلم ياباني وحيد.
غياب الموضوعية
إن أي شخص يتابع السينما، ستتكون لديه مع الزمن قائمة خاصة به لأفضل الأفلام التي حضرها، وقد يتمكن في نقاشاته مع الآخرين أن يوجد أسباباً، تبدو موضوعية، دفعته لاختيار قائمته للأفلام المفضلة، من دون أن يذكر العوامل الذاتية، المتعلقة بالإدراك، والظرف النفسي في لحظة متابعة الفيلم، والميول والذوق الشخصي؛ ولكن، وبسبب عدم وجود أسس موضوعية ترجح كفة فيلم على آخر، ستبقى جميع هذه القوائم ذاتية، وتتبع الذوق الشخصي، وستنحصر القائمة، بلا شك، في الأفلام التي تسنى لواضع القائمة أن يشاهدها.
بل إن الجهات المعنية التي حاولت أن تضع معايير لاختيار الأفلام في القوائم، لم تتمكن من إيجاد عامل موضوعي، سوى عامل الزمن، فمعهد "الفيلم الأميركي" اشترط أن تكون مدة الفيلم تتجاوز الأربعين دقيقة، كما اشترطت جهات أخرى بأن يكون قد مضى على إنتاج الفيلم عشر سنوات على الأقل، في محاولة موضوعية منها لمراعاة عامل الزمن.
المضمون السياسي
مما لا شك فيه، أن كل جريدة أو مؤسسة ثقافية لها توجهها السياسي، والأفلام التي سيتم اختيارها لن تنافي بالتأكيد السياسات التي تتبعها المجلة، وهذه المضامين السياسية للأفلام ستتسبب بإزاحة العديد من الأفلام المهمة على الصعيد الفني والتي تنافي سياسة المجلة المعنية باختيار القائمة.