12 مايو 2024
كيف يحبط أردوغان المؤامرة عليه؟
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
لم تنته المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي أحبطها الشعب التركي الشجاع (يوليو/ تموز 2016)، وزعيمه العظيم رجب طيب أردوغان. إنها تتواصل بأشكالٍ أكثر ذكاء، وأكبر مساند لها هو أردوغان نفسه الذي لم يتعلم من درس المحاولة الفاشلة، ولا من درس انتخابات بلدية إسطنبول، ولا من كثير من الدروس في المنطقة، وليس آخرها السودان.
هل أردوغان أهم من موغابي الذي حرّر بلاده (زيمبابوي) من الاستعمار، وانتهى، بفعل ديكتاتوريته، إلى ملفٍّ تالف في أرشيف منسي؟ أردوغان زعيم عظيم دخل التاريخ من أوسع أبوابه، مناضلا ضد الاستبداد والفساد والتغريب والصهيونية. تمكّن من تحقيق معادلة تاريخية تجمع بين الإسلام والديمقراطية، وجسّد النهضة بإنجازاتٍ واقعيةٍ تشهد له على الأرض، وبأرقام لا تكذب.
هل هو أهم من صديقه مهاتير محمد، باني نهضة ماليزيا الذي خسر الانتخابات تماما كما خسر حليفه وشريكه أنور إبراهيم، ثم خرج الاثنان من القبر معا، وعادا إلى الحياة السياسية بعد اعترافهما بأخطائهما، وانطلاقهما إلى مساحات عمل سياسي، تعتمد على المشاركة الشعبية، لا السلطوية؟
لو كانت المنافسة بين أرودغان وأي شخصية تركية بشكل ديمقراطي، لكان ذلك في مصلحة تركيا، فما كان نجاحه إلا في أجواء المنافسة، وانتصاره الأول كان على معلمه نجم الدين أربكان. من حق أي سياسي تركي من أي توجه أن يحصد نجاحات سلفه، وهذا ما حصل في الولايات المتحدة مع ترامب الذي حصد النجاح الاقتصادي الذي حققه أوباما.
ما ليس في مصلحة تركيا هو التدخل الخارجي في الانتخابات، وهو أسوأ كثيرا من التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. وهو تدخلٌ يسعى إلى تقويض النموذج التركي الذي جمع بين الإسلام والديمقراطية، والنهوض الاقتصادي والسياسة الخارجية المستقلة. تدخلٌ يشكل امتدادا للانقلاب الفاشل، ويسعى إلى تحقيق أهدافه بخسائر أقل، وبأدوات تبدو "ديمقراطية".
أخطر ما في الأنباء الواردة من إسطبنول هو الدور الإسرائيلي، فالمنشقون عن أردوغان، والقادرون على إطاحته الثلاثي: عبدالله غول وعلي بابا جان وأحمد داود أوغلو. السعودية والإمارات تدعمان غول، وتراهنان عليه. عندما تواصل معه أوغلو للتحالف، أرسل ابنه محمّلا بشروط، أخطرها إعادة العلاقات مع إسرائيل إلى ما قبل أردوغان، أي تحالف استراتيجي، لا علاقات عدائية متوترة. الجبهة ضد أردوغان في قلبها إسرائيل، وامتدادها في أميركا والغرب. المفارقة أن الأميركيين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ينظرون إلى تركيا أردوغان نظرة أسوأ من إيران، فهي حليفٌ قد ينقلب عدوا وإيران عدوٌّ قد ينقلب حليفاً.
تورّط أردوغان بسياسة معادية لأميركا بعد المحاولة الانقلابية. صحيحٌ أن أميركا كانت متواطئة، لكن أي بلد في العالم لا يقوى على معاداتها، وروسيا بصواريخ أس 400 ليست بديلا لها. وتمكّن اللوبي الصهيوني، مدعوما من الإمارات والسعودية والأرمن، من شيطنته في الدوائر الأميركية.
تلك الجبهة تسهل هزيمتها، كما حدث في المحاولة الانقلابية. ما يصعب هزيمته هو جبهة أردوغان على نفسه. جيلنا الذي شاهد أردوغان مناضلا ينتقل من السجن إلى القصر غير جيل الشباب الذي لم ير أردوغان إلا في القصر، إلى جوار صهره الذي يورثه السلطة حيا.
لم يعد أردوغان يسمع اعتراضا من أقرب المخلصين إليه الذين تقاسموا معه عذابات النضال. يصغي للذين يتقاسمون مكاسب السلطة، وهؤلاء يكثرون عند الطمع، ويهربون عند الفزع. لم يسمع أردوغان أصوات الناخبين في البلديات. لم يعد يطيق الصحافة الحرة، وتراجعت حرية الصحافة كثيرا قياسا إلى بدايات حكمه.
المؤامرة على أردوغان لم تتوقف، وفشل المحاولة الانقلابية العسكرية فتح مجالا لمحاولة انقلابية أخطر، تعتمد على الأدوات الديمقراطية، لا الدبابات وحدها. الوحيد القادر على إحباط المؤامرة هذه المرة هو أردوغان نفسه، عندما يتعافى من الصمم الذي أصابه، وتعود إليه حاسة السمع، ليسمع ما يزعجه، لا ما يطربه.
هل هو أهم من صديقه مهاتير محمد، باني نهضة ماليزيا الذي خسر الانتخابات تماما كما خسر حليفه وشريكه أنور إبراهيم، ثم خرج الاثنان من القبر معا، وعادا إلى الحياة السياسية بعد اعترافهما بأخطائهما، وانطلاقهما إلى مساحات عمل سياسي، تعتمد على المشاركة الشعبية، لا السلطوية؟
لو كانت المنافسة بين أرودغان وأي شخصية تركية بشكل ديمقراطي، لكان ذلك في مصلحة تركيا، فما كان نجاحه إلا في أجواء المنافسة، وانتصاره الأول كان على معلمه نجم الدين أربكان. من حق أي سياسي تركي من أي توجه أن يحصد نجاحات سلفه، وهذا ما حصل في الولايات المتحدة مع ترامب الذي حصد النجاح الاقتصادي الذي حققه أوباما.
ما ليس في مصلحة تركيا هو التدخل الخارجي في الانتخابات، وهو أسوأ كثيرا من التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. وهو تدخلٌ يسعى إلى تقويض النموذج التركي الذي جمع بين الإسلام والديمقراطية، والنهوض الاقتصادي والسياسة الخارجية المستقلة. تدخلٌ يشكل امتدادا للانقلاب الفاشل، ويسعى إلى تحقيق أهدافه بخسائر أقل، وبأدوات تبدو "ديمقراطية".
أخطر ما في الأنباء الواردة من إسطبنول هو الدور الإسرائيلي، فالمنشقون عن أردوغان، والقادرون على إطاحته الثلاثي: عبدالله غول وعلي بابا جان وأحمد داود أوغلو. السعودية والإمارات تدعمان غول، وتراهنان عليه. عندما تواصل معه أوغلو للتحالف، أرسل ابنه محمّلا بشروط، أخطرها إعادة العلاقات مع إسرائيل إلى ما قبل أردوغان، أي تحالف استراتيجي، لا علاقات عدائية متوترة. الجبهة ضد أردوغان في قلبها إسرائيل، وامتدادها في أميركا والغرب. المفارقة أن الأميركيين من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ينظرون إلى تركيا أردوغان نظرة أسوأ من إيران، فهي حليفٌ قد ينقلب عدوا وإيران عدوٌّ قد ينقلب حليفاً.
تورّط أردوغان بسياسة معادية لأميركا بعد المحاولة الانقلابية. صحيحٌ أن أميركا كانت متواطئة، لكن أي بلد في العالم لا يقوى على معاداتها، وروسيا بصواريخ أس 400 ليست بديلا لها. وتمكّن اللوبي الصهيوني، مدعوما من الإمارات والسعودية والأرمن، من شيطنته في الدوائر الأميركية.
تلك الجبهة تسهل هزيمتها، كما حدث في المحاولة الانقلابية. ما يصعب هزيمته هو جبهة أردوغان على نفسه. جيلنا الذي شاهد أردوغان مناضلا ينتقل من السجن إلى القصر غير جيل الشباب الذي لم ير أردوغان إلا في القصر، إلى جوار صهره الذي يورثه السلطة حيا.
لم يعد أردوغان يسمع اعتراضا من أقرب المخلصين إليه الذين تقاسموا معه عذابات النضال. يصغي للذين يتقاسمون مكاسب السلطة، وهؤلاء يكثرون عند الطمع، ويهربون عند الفزع. لم يسمع أردوغان أصوات الناخبين في البلديات. لم يعد يطيق الصحافة الحرة، وتراجعت حرية الصحافة كثيرا قياسا إلى بدايات حكمه.
المؤامرة على أردوغان لم تتوقف، وفشل المحاولة الانقلابية العسكرية فتح مجالا لمحاولة انقلابية أخطر، تعتمد على الأدوات الديمقراطية، لا الدبابات وحدها. الوحيد القادر على إحباط المؤامرة هذه المرة هو أردوغان نفسه، عندما يتعافى من الصمم الذي أصابه، وتعود إليه حاسة السمع، ليسمع ما يزعجه، لا ما يطربه.
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ياسر أبو هلالة
مقالات أخرى
22 ابريل 2024
18 مارس 2024
07 يناير 2024