يحاول كل من رئيس الجمهورية الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ووزير الداخلية، جيرار كولومب، باعتباره وزيرا للأديان أيضاً، ترك بصماتهما على تنظيم شؤون الديانة الإسلامية، ثاني ديانة بعدد الأتباع في فرنسا.
وقد حاول من سبقهما من السياسيين وضع لبنات أسفرت عن الوضعية الحالية للإسلام في فرنسا، والتي يرى فيها كثيرون غيابا للتمثيل الحقيقي للمسلمين فيها، في حين اعتبر آخرون أن ما جرى تدخل ووصاية غير مبرَّرَين من الدولة في شؤون عقيدة جزءٍ من مواطني فرنسا، وهو ما لا تفعله مع ديانات أخرى.
ولم يخفِ الرئيس ماكرون انحيازه لعلمانية أقل تطرفاً مقارنة مع سياسيين يمينيين ويساريين آخرين، إذ أغضبت إدانته لـ"تطرف العلمانية" يوم 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، العلمانييين الفرنسيين، خصوصاً أنه هاجم أمام ممثلي الديانات في فرنسا كل الأحزاب الفرنسية التي تريد "استخدام قانون 1905 (الفصل بين السياسي والديني) لخدمة حرب هوياتية". كذلك وعد في الرابع من يناير/كانون الثاني الماضي، المسلمين الفرنسيين بمساعدتهم، أثناء الإعلان عن "العمل على بناء الإسلام في فرنسا".
وكرست صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، صفحاتها الأولى للرئيس الفرنسي، ورأت أنه يفكر في "إعادة تنظيم كامل للإسلام الفرنسي"، ما يعني "إدراج الديانة الإسلامية في إطار علاقة هادئة مع الدولة ومع الديانات الأخرى"، بحسب الصحيفة، إضافة إلى "إشراكها في مكافحة الأصولية".
وترى الصحيفة أن الرئيس جادّ في الموضوع، رغم أن خطابه الموعود حول العلمانية، الذي كان من المفترض أن يكشف فيه عن مشروعه حيال الإسلام، لم يأت بعد.
وترى الصحيفة أن "ماكرون يأملُ في الحدّ من تأثير البلدان العربية والإسلامية التي تحُول دون دخول الإسلام الفرنسي في الحداثة"، وإن كانت هذه الرغبة قاسَماً مشتركا بين كل الساسة الفرنسيين، من كل الاتجاهات.
وتعترف الصحيفة بأن الرئيس الفرنسي كشف لها عن بعض الأفكار في هذا الصدد، ومن بينها قوله "إن منهجي هو التقدم خطوة بعد أخرى"، وإشارته للصحيفة "نحن نعمل على بناء إسلام فرنسي، وهو شيء بالغ الأهمية". ويعتبر الرئيس الفرنسي أن حديثه المستفيض عن الإسلام أثناء زيارته الرسمية إلى تونس، يدخل في هذا الإطار، مشيراً إلى أن "هذا المنهج يُجنّب اللجوء إلى اختصارات غالبا ما تثير البلبلة وسوء الفهم".
ويضيف ماكرون: "سأواصل استشارة الكثيرين. فأنا ألتقي بمثقفين وجامعيين، وممثلين عن كل الديانات، لأني أعتقد أنه يتوجب أن نستلهم تاريخنا بقوة، تاريخ الكاثوليكية وتاريخ البروتستانتية".
ويعترف الرئيس الفرنسي أنه التقى بالمفكر التونسي، يوسف الصديق، إضافة إلى مثقفين آخرين ومختلف الفاعلين، مثل معهد مونتين، الذي أنجز مبادرات في هذا الصدد. وأكد أنه لن يفصح عن مقترحه حول الإسلام، قبل أن يكون العمل منجزا.
الرئيس الذي عبّر، كما تكشف الصحيفة الفرنسية، عن امتعاضه الشديد من لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع مسؤولي "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، أثناء زيارته لفرنسا، في الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، اعتبر أن لذلك تأثيره على استقلالية الإسلام الفرنسي، الذي يجب أن يكون مستقلا عن تأثير البلدان العربية والإسلامية.