ويمضي هذا الشاعر إلى القول، إن ماريشي بن هي إلهة الفجر الهندية من عصر سبق توافد الآريين على الهند، والمستنيرة، حسب المفهوم البوذي للشخص الذي يتبع خطوات بوذا، وراعية فتيات الغيشا والمحبين والأمهات أثناء الولادة، وقد تكون محاربة من صنف الساموراي في جانب من جوانب سيرتها. ولهذه الإلهة ثلاثة وجوه ذات سمات دالة؛ الوجه الأمامي يدل على الحنان، وعلى الجانبين وجه يدل على النشوة، والآخر على الغريزة البهيمية.
وهناك إضافات أخرى حاول فيها الشاعر توفير أرضية ملموسة أو معلوماتية لإقناع القارئ بأن هذه قصائد كتبتها شابة يابانية. وبالفعل، سادت هذه القناعة بعضاً من الوقت، ثم كُشف لاحقاً أنه مؤلف القصائد وليس مترجمها. وهنا امتدح النقاد قدرته على تقمص مشاعر شخصية امرأة، ومن ثقافة أخرى، بنجاح لا نظير له.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الشاعر والمترجم والناقد، الذي يعتبر شخصية مركزية من شخصيات "حركة نهضة سان فرانسيسكو" في الخمسينيات، والممهد لجيل يدعى "الجيل المتعب"، أو "جيل شعراء النشوة الروحية"، الــ Beatific المعني بتحرير الشعر من سجون الأكاديميات وإعادته إلى الشوارع. كان من بين أوائل الشعراء الأميركيين الذين تعرّفوا إلى الأشكال الشعرية اليابانية التقليدية، مثل الـ"هايكو" والـ"تاناكا"، والتفتوا إلى الشعر الصيني الكلاسيكي، إضافة إلى الشعر اليوناني القديم، خصوصاً شعر سافو. من هؤلاء كُتّاب وشعراء كانوا أصحاب حركة اجتماعية/ أدبية، مثل كيرواك وغينسبرغ وكورسو وفيرلنغيتي.
ويظهر تأثر ريكسروث بالحساسية الشعرية الشرقية في ترجماته وشعره معاً، خصوصاً في ترجمته لشعر الحب الحسي، إلى درجة دفعت بعض نقاده إلى القول إن صوته يشبه صوت الشاعر الصيني تو فو الذي ترجم له. وفي ترجمته مختارات شعرية لعدد من الشاعرات الصينيات، وضعها تحت عنوان "زورق أزهار الأوركيد"، يصعب التمييز بين ما كتبه وما ترجمه.
في هذه المجموعة الشعرية الشبيهة بحكاية عاشقة تروي سيرة حياتها، تصل إلى القارئ أصداء أجراس المعابد اليابانية، وتتوالى مشاهد البيوت والطرقات والأمسيات، وتجمّعات الناس في المهرجانات وحول ضفاف الأنهار، ويلمس شذى فكر شرقي صميم ينتشر بين السطور.
فلا عجب أن أحداً لم يشك أن ما بين يديه هو شعر أنثى من ثقافة مختلفة عن ثقافته، والسبب بالطبع هو أن ريكسروث كان قد خرج بالفعل إلى فضاء شعري أكثر رحابة وإنسانية من شعر تقيّده سمات جغرافية أو مذهبية أو أيديولوجية، إلى فضاء الشعر الحق؛ الشعر الوامض بشيء من أطياف الأبدي، لا بسراب إذا جاءه الإنسان لم يجده شيئاً.