لؤي حسين يضعف الشعور القومي في سورية
لم يلق اعتقال رئيس تيار بناء الدولة السوري، لؤي حسين، الاهتمام الكافي من المؤيدين والمعارضين السوريين على السواء، ليس لأن الرجل وتياره لا يملكون وزناً كبيراً في الساحة السياسية والاجتماعية السورية، كالائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية فحسب، بل لأن الرجل اختط لنفسه تياراً وسطياً من الأزمة السورية (منزلة بين المنزلتين). ومثل هذه المواقف الوسطية في وقت الأزمات الكبرى (اتفقنا معها أو لم نتفق) تبدو رماديةً غير واضحة المعالم، ويزيد من رماديتها تعقد الأزمة وتشعبها. لذلك، سرعان ما تتعرض مثل هذه المواقف للاتهام والعمالة من معظم الأطراف، لا سيما التي تمثل حدي الأزمة، وتعتمد منطق الغلبة.
لم يمنع وصفه النظام السوري بالديكتاتوري، ومن ثم تحميله النظام سبب الأزمة، ورفضه مفاوضة النظام قبل وقفه العمليات العسكرية والأمنية، لم يمنع ذلك كله من اتهام المعارضة الخارجية له، ولأمثاله، بالعمالة للنظام أو أداة بيد النظام.
في المقابل، لم يمنع رفضه التدخل العسكري الخارجي، ومطالبته بالحفاظ على الدولة، وقبوله بحل سياسي للأزمة، عبر تشكيل سلطة ائتلافية تضم أشخاصاً من النظام والمعارضة، لم يشفع ذلك كله له عند النظام.
وصف بعضهم اعتقال لؤي حسين بالمسرحية الأمنية للنظام، من أجل تعويمه سياسياً في المرحلة المقبلة، مع ظهور إرهاصات أولية بدأت من موسكو عن حل سياسي للأزمة، كما فعل النظام تماماً مع رئيس جبهة التغيير والتحرير، قدري جميل، حين ترك منصبه وزيراً للتجارة بشكل مفاجئ، أو أقيل منه، ليستقر به المطاف في موسكو، ويكون جزءاً أساسياً من المشروع الروسي للحل السياسي. واعتبر آخرون لؤي حسين عميلاً للخارج، وإن كان بلباس معارضة داخلية، وتضاعف وصف العمالة له كونه علوياً، بعد خروجه عن معقول الطائفة وأدبياتها، ثم تضاعف هذا الوصف، في المرحلة الأخيرة، من كتاباته التي عكست خوفه من سقوط الدولة.
بغض النظر عن الاتفاق، أو الاختلاف، مع وجهة نظر لؤي حسين، فإن جوهر الموضوع هو اعتقاله، والتهمة التي نسبت إليه "إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة"، وهي التهم الموجودة في أدراج الأنظمة الشمولية والجاهزة مسبقاً. كيف يمكن للمثقف والسياسي، وحتى المواطن السوري العادي، التصديق أن لؤي حسين أضعف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة، هل المواطن السوري خالٍ من المصائب والكوارث، ولم يعد يعكر صفو حياته سوى لؤي حسين؟ مئات آلاف القتلى والجرحى، عشرات آلاف المعتقلين، دمار مدن وقرى بكاملها، ملايين النازحين والمهجرين، اقتصاد شبه متوقف، تحالف دولي يشن هجوماً في شمالي سورية، وتنظيم يمارس أبشع أنواع الإرهاب.
كيف يمكن لهؤلاء الذين يأملون بدولة تسودها الديمقراطية ودولة القانون وحرية الرأي الاقتناع أن النظام مستعد لقبول عملية سياسية، تنهي الأزمة، وتؤسس لمرحلة جديدة في سورية؟ كيف يمكن تصديق ذلك؟ والنظام ما زال غير قادر على تحمل المعارضة التي وصفها هو نفسه، يوماً، بأنها واعية ووطنية، في مقابل للمعارضة الخارجية غير الواعية وغير الوطنية؟
لماذا يعتقل لؤي حسين؟ هل فقط لأنه تجرأ، وقال إن الدولة أضحت، بنظر السوريين، كياناً مفارقاً لهم، وأن النظام عمل على تحطيم البنى الاجتماعية، كالقبيلة والطائفة، من دون بناء بنية وطنية، تقوم على المواطنة، ومن ثم تحذيره من انهيار الدولة السورية؟ (راجع مقاله في صحيفة الحياة في 24 يونيو/حزيران الماضي، السوريون لا يشعرون بحاجتهم إلى الدولة)، أم لقوله إن النظام عاجز عن حماية السيادة الوطنية؟ داعياً السوريين إلى القول الصريح والعمل العلني لإنقاذ دولتهم عبر تسوية سياسية، تستبدل النظام بسلطة ائتلافية من السلطة والمعارضة والشخصيات العامة، يكون لديها الأهلية لحماية البلاد (بيان تيار بناء الدولة في 2 / 11 / 2014).
هل تخطى رئيس تيار بناء الدولة الخطوط الحمر في مقالاته وبياناته، أم أن للمسألة وجه آخر، لأنه حاول التواصل مع الشباب السوري، وتشكيل موقف سياسي من الأحداث الجارية في بلده؟
اعتقال ﻟﺆﻱ ﺣﺴﻴﻦ، وقبله رجاء الناصر وعبد العزيز الخير، يسلط الضوء على الخيبات التي يتعرض لها أنصار الحل السلمي، ويبعث رسائل سياسية تؤكد رفض النظام هذا الطريق، كما رفض عند بدء الأزمة العمل السلمي الشعبي لصالح الحل الأمني.