لا تمر الأيام سهلة على اللاجئات السوريات في لبنان، فالظروف المعيشية الصعبة وفقدان المعيل والمعين زاد من مرارة الحياة واللجوء، فاضطررن للعمل ساعات طوالا بمهن أوجدنها، عبر الاعتماد على أنفسهن في تأمين ماكينات الخياطة مثلا، أو انتظار جهات تمول مشاريع صغيرة كلفتها قليلة لكنها تعفي النازحين السوريين من ذل السؤال والحاجة.
ولا تشذ النساء السوريات النازحات في مخيم "الجراحية" بمنطقة المرج في البقاع اللبناني شرق البلاد، عن القاعدة فيعملن بمهن شتى لتحقيق نوع من الاكتفاء وإعالة أسرهن.
امتهنت دلال المر (33 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، الخياطة منذ كانت في الـ 17 من عمرها، فجلبت معها من سورية ماكينة الخياطة الخاصة بها لتكون معيلة لأسرتها، وبالتعاون مع زوجها استطاعت من عملها الخاص تطوير العمل لتخيط الثياب للنساء في المخيم.
وتقول دلال: "أقوم بتصنيع الثياب النسائية وتتطلب خياطة القطعة كالعباءة مثلاً عمل يوم كامل، ولا أحصل على أكثر من 10 آلاف ليرة لبنانية (نحو 7 دولارات أميركية) مقابلها"، مضيفة "أقوم كذلك بتصليح ثياب قديمة وتقصيرها بكلفة ألف ليرة للقطعة فقط (أقل من دولار). هذا قليل جداً لكن الناس في المخيم لا يمكنها دفع أكثر من ذلك".
وتشتكي دلال من ضيق الحال فابنتها الوسطى مريضة بالتهاب رئوي وتحتاج لرذاذ الأكسجين بين الحين والآخر، بالاضافة إلى علاجات وأدوية أخرى بلغت تكلفة آخر وصفة منها 85 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل 60 دولاراً تقريبا، لذا فهي تضطر للعمل على ماكينة الخياطة رغم آلام ظهرها وتعبها من خدمة بيتها وأطفالها.
وأشارت إلى أنها تضطر للوقوف ساعات طوالا أمام باب البلدية والجمعيات الخيرية في المنطقة المجاورة لتحصل على مساعدة غذائية أو بطانيات، وتقول "أقف لساعات طويلة وأسمع الشتائم والإهانات بحقنا، لا أستطيع تحمل هذا الكلام فأعود أدراجي إلى المنزل، أنا وأسرتي لا نحتاج للمساعدات العينية؛ إنما نحتاج لمن يمد لنا يد العون لكي نكسب رزقنا بجهدنا وعرقنا كالخياطة والتطريز والحياكة، حتى لو كان الدخل بسيطاً، لكنه أرحم من الشتائم وذل الطلب. بعملي أحافظ على كرامتي".
بعض النساء لم يستطعن تأمين المواد الأولية أو ماكينة الخياطة لعدم وجود رأس المال، مثل لينا علي العلي (25 عاماً) التي قالت: "عملت لأكثر من خمس سنوات في مهنة حياكة الصوف، ولدي خبرة جيدة يمكن أن أعلم غيري كما أجيد حياكة القبعات وثياب الأطفال، لكن ضيق الحال منعني من إنشاء عمل خاص".
وأشارت خيرية أحمد الأحمد (35 عاماً) إلى أنها تتقن مهنة شك الخرز والتطريز وصنع العلب والهدايا المزخرفة وتزيينها وصنع ملاقط الشعر، لكن ضيق الحال يمنعها من جلب المواد الأولية للعمل بهذه المهنة التي كانت تعتاش منها في سورية، قبل اندلاع الحرب العام 2011 واضطرارهم للجوء.
وأضافت: "كنت أعمل وعائلتي في صناعة كراسي الخيزران لصالح المطاعم الفخمة، لكن اليوم لا عمل لنا وكل ما تعلمناه سننساه إذا لم نعُد للعمل من جديد".
وفي هذا السياق، قال علي الفرا (30 عاماً)، وهو أحد المتطوعين مع "جمعية عيون سورية" (غير حكومية)، ولديه اطلاع كاف على احتياجات الناس والخبرات والمؤهلات لديهم في المخيم، "أشجع المشاريع الصغيرة مثل الخياطة وحياكة الصوف، فكثيرات النساء اللواتي لديهن خبرات جيدة تؤهلهن للعمل في مشغل وإنتاج ألبسة جاهزة، وذلك يعود عليهن بمردود مالي يسد جزءا من احتياجاتهن وتشغيلهن سيخفف من البطالة الحاصلة في المخيم".
وتحدث علي عن أحد المشاريع الصغيرة التي جرى إنشاؤها وهي عبارة عن فرن صغير، لكنه لم يعمل بعد بسبب ضعف توفر الكهرباء، مشيراً إلى أن "هذا الفرن أنشأته جمعية عيون سورية لتشغيل الأهالي هنا وتلبية حاجتهم من الخبز، لكن عدم تأمين الكهرباء بشكل كاف لم يسمح بتشغيل آلة العجن". وأوضح أن هذا الفرن كان سيؤمن ربطة الخبر لسكان المخيم بسعر 750 – 1000 ليرة لبنانية، بدلا من سعرها الرسمي وهو 1500 ليرة (الدولار الأميركي يساوي 1500 ليرة لبنانية)، وتابع "نشجع هذه المشاريع التشغيلية الصغيرة، فهنا في المخيم تجد نساء ماهرات يصنعن الحلويات وأخريات يحكن الصوف والتطريز والخياطة ... هذه المهارات إن لم تعزز بالعمل سوف تندثر"، مردفا "تبقى الحاجة هي الدافع الأكبر للعمل".
ولفت إلى أن "بعض الشباب لديهم خبرة بميكانيك السيارات وإصلاح الهواتف والحلاقة النسائية، وهم بحاجة لمد يد العون لهم لإقامة مشاريع صغيرة على مستوى المخيم يستطيعون العمل بمهن قضوا سنوات لتعلمها".