لا تطلبوا العـز في لبنان

أي درك ذلك الذي وصلنا إليه؟ لامسنا القعر، أو نكاد، كل أحلامنا ترتطم بواقع مقرف ومعقّد، كل آمالنا تصبو نحو مجرد "خبزنا كفاف يومنا"، كل أمنياتنا تنحصر بسلامة فلذات أكبادنا على طرق الموت، في أثناء مغامراتهم بالذهاب والعودة من مدارسهم، لا شيء يدعو إلى الحياة إلا قلة الموت، وبعض الأمل بتأشيرة هجرة، قد تحرك أحلامنا الراكدة وطموحنا المستحيل.

لقد تحول لبنان إلى مقبرة جشعة، تدفن شعباً برمته، إلى رحمٍ آسنة، لا تلد سوى المآسي،  وتحولنا معه إلى نوع من الدمى التي تتحرك وفق أجندات الخوف، بل الهلع، من مستقبل لن يحمل سوى مزيد من الدماء والدموع والألم.

لا شيء يحضرني في هذه العجالة، سوى صورة التلاميذ وهم ينتظرون شهاداتهم على قارعة العبثية والمزاجية السياسية، صورةٌ أصابتنا بوعكة وطنية، وجعلتنا نلفظ آخر انتماء لهذا البلد، أي مستقبل نعده لهؤلاء الشباب؟ أي أمل قد يجذبهم نحو البقاء، والنضال من أجل غد أفضل؟ هل يُعقل أن يتحول مستقبل أولادنا إلى ورقة تفاوض بيد هذا، أو ذاك؟ أي لعنة تلك التي صنعها المشعوذون لهذا البلد؟

سبعون عاماً ونحن نعيش في صندوق بريد. ننتظر لحظة تاريخية تنتشلنا من هذا المستنقع، ننتظر دولة أو شبه دولة. وصلنا إلى أصقاع الأرض وصنعنا المستحيل، لم نترك باباً إلا ولجناه، وتركنا فيه بصماتنا المنيرة، وحينما نصل إلى هنا، إلى هذا اللبنان المستحيل، يتوقف كل شيء، ونبدأ البحث عن الكهرباء والماء والشهادة والدجاجة.

هي دعوة صادقة أوجهها إلى نفسي، وإلى الشباب والعوائل: لا تنصتوا إلى الأصوات التي لم تتوقف عن ممارسة الشعوذة بحقنا يوماً، لبنان الذي نحب مثقلٌ بأزمات وجودية مركّبة، فلا تطلبوا منه ما يفقده، لا تطلبوا العز في لبنان.