ثقيلٌ عيد الفطر في قطاع غزة هذا العام. لا يستطيع أهله فصلَه تماماً عمّا حلّ بهم العام الماضي، حين اخترقت إسرائيل التهدئة مع المقاومة الفلسطينية، وقصفت مناطق مختلفة في القطاع. وفي الليلة نفسها، دمّرت الكثير من المنازل في مناطق خزاعة والشجاعية، ما أدى إلى تشرّد عشرات الآلاف من منازلهم.
يأتي العيد اليوم في وقت ما زالت عشرات آلاف العائلات من دون مأوى. يقضي البعض العيد في كرفانات، أو في بيوت مستأجرة، أو في منازل أقاربهم. لم يعد الكبار يكترثون للفرح، همهم الوحيد صغارهم الذين لا ينسون اللعب على الرغم من كل ما عايشوه. تراهم يمرحون أمام بيوتهم المدمرة، وهذا يعزّي أهاليهم بعض الشيء.
تسكنُ عائلة أبو جزر في الكرفان منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على مقربة من منزلها الذي دمر بشكل كامل في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس. في كل صباح، تنظرُ فدوى إلى أرضها وتسأل: "متى نبني منزلنا الجديد؟". لكنها لا تملك إجابة. مع ذلك، اشترت لأطفالها ملابس جديدة علهم يفرحون ولا يشعرون بالفرق بينهم وبين الأطفال الآخرين. تقول لـ "العربي الجديد" إن "أطفال الحي يرتدون ثياباً جديدة. ما من شيء أهم من سعادتهم".
كانت عائلة أبو حزر تسكن في منزل كبير أمامه حديقة صغيرة. عاماً بعد عام، اعتادت تزيينه. لكنها تجد نفسها اليوم تعيش في بضعة أمتار، علها تكون قريبة من بيتها الذي لم يعد موجوداً. حتى أنها وضعت بعض الزينة، وإن كانت بسيطة.
في منطقة عبسان التي تنتشر فيها الكرفانات، اشتركت بعض الأمهات في صنع كعك العيد، كما جرت العادة في السنوات الماضية. تجمعن أمام أحد الأفران، بمساعدة بناتهن والأطفال للاستمتاع بتحضيره. في السياق، تقول ساجدة أبو موسى (45 عاماً) لـ "العربي الجديد": "لا شك أن الحزن في القلب. نحن في غزة صبرنا كثيراً، ولا نريد أن تضيّع علينا الفرحة. نريد صنعها حتى من خلال صواني كعك العيد التي نتشارك في إعدادها".
لهذه التجمعات بين الأمهات الغزاويات آثار إيجابية. كأنهن بذلك يتحدّين ظروفهن الصعبة. عنها، تقول أم موسى إنها "تعيد لنا ذكريات المخيمات التي تربينا فيها خلال فترة طفولتنا". تستذكر يوم فقدت منزلها في ثالث أيام عيد الفطر الماضي، واحتجزت هي وعائلتها في المنزل مدة عشر ساعات حين كانت المنطقة تتعرض لقذائف المدفعيات والطيران. وعندما سمح لهم بالخروج والهروب لساعات محددة، اتجهت إلى مخيم خانيونس وسط المدينة، وهي تودع بيتها لأنها علمت أن الخروج من المنزل يعني دمار الحي بالكامل. وبعد العدوان، عادت لتجده ركاماً.
هذه المرة، يبدو حي الشجاعية غائباً عن أجواء الاحتفالات. علماً أنه كان يعد أحد أجمل الأحياء في مناسبات الأعياد. يحرص الأهالي على تزيين شوارعه، فيما يذهب الأطفال إلى الأراجيح، عدا عن زيارة الأقارب لتكون الفرحة جماعية. لكن صور الدمار أغلقت الباب أمام أي احتمال لمشاهد أخرى أكثر فرحاً. مع ذلك، أصر البعض على إحضار الأراجيح، بهدف إسعاد الأطفال على الرغم من معاناتهم.
في منطقة الشعف في حي الشجاعية، يقف أحمد السعودي قرب منزله المدمر. يبدو خجلاً وهو يحضر الألعاب لأطفاله الأربعة. يريد فقط أن يُدخل السعادة إلى قلوبهم لينسوا معاناتهم، وخصوصاً أن منطقتهم قد دمرت بالكامل. يقول لـ "العربي الجديد": "أسكن في غرفتين من منزلي المدمر بعدما رممتهما في ظل عدم وجود شقق للإيجار. هذا العيد، سأحاول أن أتحدى الذكريات الأليمة التي عشناها العيد الماضي".
خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، استشهد شقيق أحمد وابن عمه وزوجة أخيه. خلال أول أيام العيد، سيذكرون الشهداء الذين قضوا العام الماضي.
أما أحمد جندية، وهو أب لأربعة أطفال، فسيزور منزل عائلته الواقع في حي الزيتون لتمضية فترة العيد مع عائلته، بعيداً عن ذكريات منزله المدمر والعدوان الأخير. خلاله، ينوي مسح ذكريات العيد الماضي الذي قضاه داخل مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
يضيف أنه خلال العام الماضي، أمضت معظم عائلات حي الشجاعية العيد خارج منازلها. إلا أنه أصر على الاحتفال بالعيد الحالي داخل منزله ووسط الركام. في المقابل، أراد آخرون الاحتفال بعيداً عن بيوتهم، علهم ينسون بعض الشيء المعاناة التي عايشوها. ويشير جندية إلى أن معظم عائلات الشجاعية جهزت بيوت العزاء لاستقبال الحاضرين في أول عيد لشهدائها.
اقرأ أيضاً: أطفالُ غزّة.. عيدُهُم في المستشفيات