28 يناير 2024
لا عزاء لأبو تريكة
في سرادق بعيد عن "زقاق المدق"، تعيّن على محمد أبو تريكة أن يقف وحيدًا، ليتقبل العزاء برحيل والده.
هكذا كتب "الجنرال" على واحدٍ من ألمع نجوم الكرة العربية والأفريقية أن يقيم مأتم أبيه في المنفى، لا لشيء سوى لأنه من رافضي الانقلاب، ومن يرفض يخسر حقه في تراب وطنه، لأن الوطن كله ملكيةٌ شخصية للحاكم العربي، منذ لحظة اغتصابه السلطة.
والآن صار في وسع أبو تريكة أن يكون "يتيمًا"، لا بفقد والده، بل بفقد "وطنه"، وشتان ما بين فقد وفقد، حين يكون الوطن أبًا وأمًّا.
يقف الآن أبو تريكة الذي لم يخطئ طريق المرمى، ولو مرة واحدة، في حياته، متسائلًا أين أخطأ ليقذفه "الحكم" خارج الملعب، بعيدًا عن "أولاد حتتنا"، بل وخارج المدرجات كلها، لأنه تلقى البطاقة الحمراء التي لا عودة بعدها، ثم طارده الحكم نفسه، في الشوارع والأزقة، مرة بتهمة "الخيانة"، ومرة بتهمة "الانتماء إلى جماعة محظورة".
أتراه أخطأ، أول مرة، يوم تضامن مع غزة، برفع بلوزته الرياضية، خلال إحدى مبارياته الدولية؟ أوَليست غزةُ "غزّةً" في القلب، تدمي كل جسد عربي، ما يزال يؤمن بفلول التضامن والتداعي مع حمّى الجسد الواحد؟ أم كان الخطأ يوم حصل أبو تريكة على جائزة الكاف لأفضل لاعب أفريقي داخل القارة أربع مرات، أم لأنه يعدّ، حتى الآن، الهدّاف التاريخي لدوري أبطال أفريقيا برصيد 33 هدفًا، أم لأن "الفيفا" اختارته عام 2014 ضمن أفضل لاعبي كأس العالم للأندية في تاريخها، أم لأن هدفه في هيروشيما صنف أفضل هدف في تاريخ كأس العالم للأندية، أم لأنه اختير عام 2016 ضمن قائمة أساطير كرة القدم من الاتحاد الدولي لتاريخ كرة القدم وإحصائها، أم لأنه كُرم، في العام نفسه، ضمن مجموعةٍ من أساطير كرة القدم في حفل كونغرس الفيفا الـ 66 في المكسيك؟
أسئلة كثيرة تتداعى إلى ذهن أبو تريكة الآن، هو الذي رفع رأس الوطن عاليًا، فكافأه الوطن بمطاردة رأسه، وكأن التميز في العالم العربي أفدح جريمةٍ يعاقب عليها القانون، وينسى أولئك الصاعدون على جثة الوطن، ببساطيرهم العسكرية، أن واحدًا على غرار أبو تريكة هو موضع ترحيب، أنّى شاء أن يذهب، لأنه بمثابة كنز لمن يفهم معنى التميز وتقدير المواهب، لكن أنّى لمثل هؤلاء الذين تلفظهم حتى مدرجات الاحتياط، أن يفهموا كنه الإبداع والابتكار، وقد جيء بهم من كهوف الظلام، ليعتلوا شموس الأهرامات؟
ولن يشكو أبو تريكة شحة المعزين بوالده، لأن السرادق يغص حتى آخره، بكل محبي أبو تريكة، اللاعب الماهر، والإنسان الدمث الخلوق، والمحب لشعوبه العربية.
كلهم كانوا هناك، خصوصًا أطفال غزة الذين جعلوه رمزًا وطنيًّا لكفاحهم، في مواجهة حصار العدو والشقيق، في حين لن يجد أصحاب البساطير من يعزّيهم برحيل ضمائرهم غير حلفائهم في تل أبيب وواشنطن وعواصم النفط.
ترك لهم أبو تريكة "الملعب" كاملًا، ليصولوا ويجولوا ويستعرضوا عوراتهم هناك. لكن، هيهات أن يحرز أولئك المبتدئون في علم المهارة والسياسة هدفًا واحدًا في حياتهم، لأنهم يسقطون، دومًا، في مصيدة "التسلل" إلى سدة الحكم، مع كثير من حبك المؤامرات، للانقضاض على السلطة وأحلام الشعب بالحرية والخلاص من محنة الاستبداد، يساعدهم في ذلك "حكّام" من الخارج، تواطأوا معهم، وغضّوا الطرف عن ألاعيبهم التي لا تقيم وزنًا للقوانين والتعليمات.
يحبس أبو تريكة الدمعة في عينه الآن، وهو يقف أمام سرادق العزاء، وينظر بعيدًا إلى النعش المحمول على الأكتاف، فلا يرى فيه أباه، بل يرى فيه وطنًا كاملاً، يهرول فيه سادة البساطير إلى أقرب مقبرة، فيحار هل يتقبّل العزاء بأبيه أم وطنه.
هكذا كتب "الجنرال" على واحدٍ من ألمع نجوم الكرة العربية والأفريقية أن يقيم مأتم أبيه في المنفى، لا لشيء سوى لأنه من رافضي الانقلاب، ومن يرفض يخسر حقه في تراب وطنه، لأن الوطن كله ملكيةٌ شخصية للحاكم العربي، منذ لحظة اغتصابه السلطة.
والآن صار في وسع أبو تريكة أن يكون "يتيمًا"، لا بفقد والده، بل بفقد "وطنه"، وشتان ما بين فقد وفقد، حين يكون الوطن أبًا وأمًّا.
يقف الآن أبو تريكة الذي لم يخطئ طريق المرمى، ولو مرة واحدة، في حياته، متسائلًا أين أخطأ ليقذفه "الحكم" خارج الملعب، بعيدًا عن "أولاد حتتنا"، بل وخارج المدرجات كلها، لأنه تلقى البطاقة الحمراء التي لا عودة بعدها، ثم طارده الحكم نفسه، في الشوارع والأزقة، مرة بتهمة "الخيانة"، ومرة بتهمة "الانتماء إلى جماعة محظورة".
أتراه أخطأ، أول مرة، يوم تضامن مع غزة، برفع بلوزته الرياضية، خلال إحدى مبارياته الدولية؟ أوَليست غزةُ "غزّةً" في القلب، تدمي كل جسد عربي، ما يزال يؤمن بفلول التضامن والتداعي مع حمّى الجسد الواحد؟ أم كان الخطأ يوم حصل أبو تريكة على جائزة الكاف لأفضل لاعب أفريقي داخل القارة أربع مرات، أم لأنه يعدّ، حتى الآن، الهدّاف التاريخي لدوري أبطال أفريقيا برصيد 33 هدفًا، أم لأن "الفيفا" اختارته عام 2014 ضمن أفضل لاعبي كأس العالم للأندية في تاريخها، أم لأن هدفه في هيروشيما صنف أفضل هدف في تاريخ كأس العالم للأندية، أم لأنه اختير عام 2016 ضمن قائمة أساطير كرة القدم من الاتحاد الدولي لتاريخ كرة القدم وإحصائها، أم لأنه كُرم، في العام نفسه، ضمن مجموعةٍ من أساطير كرة القدم في حفل كونغرس الفيفا الـ 66 في المكسيك؟
أسئلة كثيرة تتداعى إلى ذهن أبو تريكة الآن، هو الذي رفع رأس الوطن عاليًا، فكافأه الوطن بمطاردة رأسه، وكأن التميز في العالم العربي أفدح جريمةٍ يعاقب عليها القانون، وينسى أولئك الصاعدون على جثة الوطن، ببساطيرهم العسكرية، أن واحدًا على غرار أبو تريكة هو موضع ترحيب، أنّى شاء أن يذهب، لأنه بمثابة كنز لمن يفهم معنى التميز وتقدير المواهب، لكن أنّى لمثل هؤلاء الذين تلفظهم حتى مدرجات الاحتياط، أن يفهموا كنه الإبداع والابتكار، وقد جيء بهم من كهوف الظلام، ليعتلوا شموس الأهرامات؟
ولن يشكو أبو تريكة شحة المعزين بوالده، لأن السرادق يغص حتى آخره، بكل محبي أبو تريكة، اللاعب الماهر، والإنسان الدمث الخلوق، والمحب لشعوبه العربية.
كلهم كانوا هناك، خصوصًا أطفال غزة الذين جعلوه رمزًا وطنيًّا لكفاحهم، في مواجهة حصار العدو والشقيق، في حين لن يجد أصحاب البساطير من يعزّيهم برحيل ضمائرهم غير حلفائهم في تل أبيب وواشنطن وعواصم النفط.
ترك لهم أبو تريكة "الملعب" كاملًا، ليصولوا ويجولوا ويستعرضوا عوراتهم هناك. لكن، هيهات أن يحرز أولئك المبتدئون في علم المهارة والسياسة هدفًا واحدًا في حياتهم، لأنهم يسقطون، دومًا، في مصيدة "التسلل" إلى سدة الحكم، مع كثير من حبك المؤامرات، للانقضاض على السلطة وأحلام الشعب بالحرية والخلاص من محنة الاستبداد، يساعدهم في ذلك "حكّام" من الخارج، تواطأوا معهم، وغضّوا الطرف عن ألاعيبهم التي لا تقيم وزنًا للقوانين والتعليمات.
يحبس أبو تريكة الدمعة في عينه الآن، وهو يقف أمام سرادق العزاء، وينظر بعيدًا إلى النعش المحمول على الأكتاف، فلا يرى فيه أباه، بل يرى فيه وطنًا كاملاً، يهرول فيه سادة البساطير إلى أقرب مقبرة، فيحار هل يتقبّل العزاء بأبيه أم وطنه.