29 يناير 2019
لبنان.. أزمة سلطة أم مأزق نظام؟
أحمد عثمان (لبنان)
يتخبط نظام ائتلاف المافيا المسيطر في لبنان بين أزماته وفضائحة اليومية، فيهرب باتجاه التأزيم الطائفي والسياسي، ليضع البلاد على حافة انفجار واقتتال أهلي بحيث يصبح حل أزمة النظام ذاته مطلبا عموميا، ففي حين تستقوي أجهزة السلطة على النازحين السوريين، فتهاجم مخيماتهم وتنتهك خيمهم وهم نيام، ثم تعتقل منهم مئات بدون أي سابق تصوّر لسبب هذا الاعتقال، تعجز عن توقيف متهم يتزعم عصابة مسلحة في قضاء الشوف، امتنع عن تسلم تبليغ استحضار قضائي لأكثر من مرة، وحولته محاولة توقيفه إلى بطل كونه يتمتع بحماية حزب الله.
وليست أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية استثناء، بل اعتاد اللبنانيون على مثل هذه الأزمات على مدى السنوات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وانسحاب قوات النظام الأسدي وأجهزة استخباراته من لبنان سنة 2005، عند كل استحقاق دستوري يخص تداول السلطة، هذا التداول الذي لم يعن للبنانيين شيئا آخر غير إعادة اقتسام غنائم الحكم بين مافيات مسيطرة بحسب تغير موازين القوى المحلية وخصوصا الإقليمية، فقد سبق الأزمة الراهنة أزمة إقرار قانون الانتخابات وقبلها أزمة انتخاب رئيس الجمهورية التي استمرت أكثر من سنتين، وقبل هذه وتلك، أزمات تشكيل حكومتي تمام سلام ونجيب ميقاتي. وقد سبقت ذلك كله أزمة انتخاب رئيس للبلاد خلفا للرئيس الأسبق الممددة ولايته، إميل لحود، والتي لم تنته إلا باتفاق الدوحة الذي أتى بالجنرال ميشال سليمان رئيسا للبلاد.
قد يستغرب المراقب، غير المتمرّس بالوضع اللبناني، كيف تدار مرافق الدولة ومؤسساتها الخدمية والبيروقراطية وكيف تتأمن مصالح المواطنين، في أزمنة الفراغ الدستورية التي طاولت البرلمان ورئاسة البلاد وتشكيل الحكومات والتي تعادل، إن لم تزد أو تتفوق على، أزمنة اكتمال عقد تلك المؤسسات. وكيف أن القوى السياسية التي تسيطر أو تتقاسم السيطرة، لديها من الصبر والأناة، فلا تستعجل ملء الفراغ الدستوري من دون أن تتأثر مصالحها أو تتراجع شعبيتها.
ولكن، حينما نكتشف السلوك المافيوي والمليشياوي لتلك القوى، فإننا لا بد سنكتشف أن مصالحها الحقيقية لا تتأثر بهذا النوع من الفراغ الدستوري، سواء على مستوى البرلمان أو الحكومة، أو حتى على مستوى رئاسة الجمهورية. ففي ظل الفراغ الدستوري وغياب المساءلة وانعدام المحاسبة، وهي غائبة في جميع الحالات، يتغوّل الفساد وتتقاسم القوى المسيطرة إياها الصفقات المجزية وأبواب النهب الفلكية.
اللافت في الأزمتين الأخيرتين، تحديدا أزمة انتخاب رئيس الجمهورية التي امتدت أكثر من سنتين، وكانت نهايتها تنازل قوى الرابع عشر من آذار لمصلحة مرشح حزب الله، بداية من اتفاق معراب بين سمير جعجع وميشال عون، ثم ما بات يعرف بالتسوية الرئاسية بين سعد الحريري وميشال عون أيضا، والتي جاءت بالأخير، وهو مرشح حزب الله، رئيسا للجمهورية؛ وأزمة تشكيل الحكومة راهنا.
اللافت في الأزمتين هو إصرار حزب الله على موقفه، هذا الإصرار هو ما جاء بعون رئيسا، واليوم يريد أن يأتي بسعد الحريري رئيسا لحكومة يسهل على حزب الله إدارتها وفق مصالحه التي هي مصالح الراعي الإقليمي له أي نظام طهران. وهذا، على ما يبدو مسألة جوهرية للنظام الإيراني في مبارزة شد الحبال بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية. من هنا يظهر فجأة تكتل نيابي مستجد من نواب "سنّة" مؤيدين لحزب الله، منهم من ينتمي أساسا لكتلة حزب الله النيابية، ومنهم من ينتمي الى كتلة حليفه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وقد شاركوا في استشارات التكليف ضمن هاتين الكتلتين، وفي ربع الساعة الأخير، ليمثل هذا التكتل المستجد حجرة العثرة المطلوب لتأخير وعرقلة تشكيل الحكومة حيث أن الرئيس المكلف سعد الحريري لن يقبل في أي حال، وحسب ما صرح مرارا، أن يكون لهؤلاء النواب تمثيلا في حكومته المنتظرة.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه منسوب الفضائح، وخصوصا منها المتعلق بالخدمات التي تمس مباشرة حياة ومصالح الناس، يخرج من القصر الجمهوري ما يزيد الأزمة الحكومية تعقيدا، ويزيد من حالة الانقسام والتوتر على الساحة السياسية، في حين يشهد الجنوب اللبناني تصعيدا إسرائيليا يضاعف من مخاوف اللبنانيين.
الكلام المنسوب إلى الرئيس، ميشال عون، والذي يلمح فيه إلى مطالبة المجلس النيابي إعادة النظر في تسمية سعد الحريري لتكليفه تشكيل الحكومة، على الرغم من عدم دستوريته، يصب في المحصلة الأخيرة في خانة الضغط على الرئيس المكلف كي ينصاع لمطالب حزب الله، فيما يتعلق بتمثيل النواب السنة الدائرين في فلكه، فيكون ذلك استكمالا للتنازلات التي بدأها بالتسوية الرئاسية، لتصبح الحكومة المقبلة أداة طيعة بيد حزب الله تؤمن له التغطية اللازمة لسياساته الداخلية والخارجية.
وهكذا يقع الحريري بين خيارين، تشكيل حكومة كما يريدها حزب الله، أو الاستمرار في الهروب الى الأمام، وإطالة أمد الأزمة الحكومية، غير أن ضغوطا من نوع آخر بدأت بالظهور عبّر عنها الفرنسيون الذين لوّحوا باحتمال تحول الأموال التي أقرت في مؤتمر سيدر واحد إلى بلدان أخرى، في حال استمرار التلكؤ في تشكيل الحكومة.
ربما يكون هذا العامل كفيلا بتبدل المواقف، فلعاب مافيات السلطة لا تسيله إلا الصفقات، والصفقات بحاجة ماسة الى أموال سيدر واحد. وهنا، لا بد لأحدهم أن يتنازل.
وفي انتظار هذا التنازل، وحتى تشكيل حكومة المحاصصة والصفقات، لن يتغير حال اللبنانيين، إلا الى مزيد من السوء، السوء الذي دفع بأكثر من خمسة وثلاثين ألفا من شبابهم الى الهجرة هذا العام.
وليست أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية استثناء، بل اعتاد اللبنانيون على مثل هذه الأزمات على مدى السنوات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، وانسحاب قوات النظام الأسدي وأجهزة استخباراته من لبنان سنة 2005، عند كل استحقاق دستوري يخص تداول السلطة، هذا التداول الذي لم يعن للبنانيين شيئا آخر غير إعادة اقتسام غنائم الحكم بين مافيات مسيطرة بحسب تغير موازين القوى المحلية وخصوصا الإقليمية، فقد سبق الأزمة الراهنة أزمة إقرار قانون الانتخابات وقبلها أزمة انتخاب رئيس الجمهورية التي استمرت أكثر من سنتين، وقبل هذه وتلك، أزمات تشكيل حكومتي تمام سلام ونجيب ميقاتي. وقد سبقت ذلك كله أزمة انتخاب رئيس للبلاد خلفا للرئيس الأسبق الممددة ولايته، إميل لحود، والتي لم تنته إلا باتفاق الدوحة الذي أتى بالجنرال ميشال سليمان رئيسا للبلاد.
قد يستغرب المراقب، غير المتمرّس بالوضع اللبناني، كيف تدار مرافق الدولة ومؤسساتها الخدمية والبيروقراطية وكيف تتأمن مصالح المواطنين، في أزمنة الفراغ الدستورية التي طاولت البرلمان ورئاسة البلاد وتشكيل الحكومات والتي تعادل، إن لم تزد أو تتفوق على، أزمنة اكتمال عقد تلك المؤسسات. وكيف أن القوى السياسية التي تسيطر أو تتقاسم السيطرة، لديها من الصبر والأناة، فلا تستعجل ملء الفراغ الدستوري من دون أن تتأثر مصالحها أو تتراجع شعبيتها.
ولكن، حينما نكتشف السلوك المافيوي والمليشياوي لتلك القوى، فإننا لا بد سنكتشف أن مصالحها الحقيقية لا تتأثر بهذا النوع من الفراغ الدستوري، سواء على مستوى البرلمان أو الحكومة، أو حتى على مستوى رئاسة الجمهورية. ففي ظل الفراغ الدستوري وغياب المساءلة وانعدام المحاسبة، وهي غائبة في جميع الحالات، يتغوّل الفساد وتتقاسم القوى المسيطرة إياها الصفقات المجزية وأبواب النهب الفلكية.
اللافت في الأزمتين الأخيرتين، تحديدا أزمة انتخاب رئيس الجمهورية التي امتدت أكثر من سنتين، وكانت نهايتها تنازل قوى الرابع عشر من آذار لمصلحة مرشح حزب الله، بداية من اتفاق معراب بين سمير جعجع وميشال عون، ثم ما بات يعرف بالتسوية الرئاسية بين سعد الحريري وميشال عون أيضا، والتي جاءت بالأخير، وهو مرشح حزب الله، رئيسا للجمهورية؛ وأزمة تشكيل الحكومة راهنا.
اللافت في الأزمتين هو إصرار حزب الله على موقفه، هذا الإصرار هو ما جاء بعون رئيسا، واليوم يريد أن يأتي بسعد الحريري رئيسا لحكومة يسهل على حزب الله إدارتها وفق مصالحه التي هي مصالح الراعي الإقليمي له أي نظام طهران. وهذا، على ما يبدو مسألة جوهرية للنظام الإيراني في مبارزة شد الحبال بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية. من هنا يظهر فجأة تكتل نيابي مستجد من نواب "سنّة" مؤيدين لحزب الله، منهم من ينتمي أساسا لكتلة حزب الله النيابية، ومنهم من ينتمي الى كتلة حليفه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، وقد شاركوا في استشارات التكليف ضمن هاتين الكتلتين، وفي ربع الساعة الأخير، ليمثل هذا التكتل المستجد حجرة العثرة المطلوب لتأخير وعرقلة تشكيل الحكومة حيث أن الرئيس المكلف سعد الحريري لن يقبل في أي حال، وحسب ما صرح مرارا، أن يكون لهؤلاء النواب تمثيلا في حكومته المنتظرة.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه منسوب الفضائح، وخصوصا منها المتعلق بالخدمات التي تمس مباشرة حياة ومصالح الناس، يخرج من القصر الجمهوري ما يزيد الأزمة الحكومية تعقيدا، ويزيد من حالة الانقسام والتوتر على الساحة السياسية، في حين يشهد الجنوب اللبناني تصعيدا إسرائيليا يضاعف من مخاوف اللبنانيين.
الكلام المنسوب إلى الرئيس، ميشال عون، والذي يلمح فيه إلى مطالبة المجلس النيابي إعادة النظر في تسمية سعد الحريري لتكليفه تشكيل الحكومة، على الرغم من عدم دستوريته، يصب في المحصلة الأخيرة في خانة الضغط على الرئيس المكلف كي ينصاع لمطالب حزب الله، فيما يتعلق بتمثيل النواب السنة الدائرين في فلكه، فيكون ذلك استكمالا للتنازلات التي بدأها بالتسوية الرئاسية، لتصبح الحكومة المقبلة أداة طيعة بيد حزب الله تؤمن له التغطية اللازمة لسياساته الداخلية والخارجية.
وهكذا يقع الحريري بين خيارين، تشكيل حكومة كما يريدها حزب الله، أو الاستمرار في الهروب الى الأمام، وإطالة أمد الأزمة الحكومية، غير أن ضغوطا من نوع آخر بدأت بالظهور عبّر عنها الفرنسيون الذين لوّحوا باحتمال تحول الأموال التي أقرت في مؤتمر سيدر واحد إلى بلدان أخرى، في حال استمرار التلكؤ في تشكيل الحكومة.
ربما يكون هذا العامل كفيلا بتبدل المواقف، فلعاب مافيات السلطة لا تسيله إلا الصفقات، والصفقات بحاجة ماسة الى أموال سيدر واحد. وهنا، لا بد لأحدهم أن يتنازل.
وفي انتظار هذا التنازل، وحتى تشكيل حكومة المحاصصة والصفقات، لن يتغير حال اللبنانيين، إلا الى مزيد من السوء، السوء الذي دفع بأكثر من خمسة وثلاثين ألفا من شبابهم الى الهجرة هذا العام.
مقالات أخرى
21 ديسمبر 2018
30 نوفمبر 2018
03 أكتوبر 2018