والمرسوم الذي صدر في 11 مايو/أيار، وقّعه رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الوزراء سعد الحريري، ووزير الداخلية نهاد المشنوق، لكنّه وخلافاً للمراسيم العادية لم يُنشر في الجريدة الرسمية، كما لم يعرف بأمره اللبنانيون، إلا بعد أن بدأت التسريبات بشأنه في وسائل الإعلام، مما دفع بأطراف سياسية عديدة إلى المطالبة بنشره للاطلاع على فحواه، والتحضير لإمكانية الطعن به.
(للاطلاع على أسماء المجنسين، انقر هنا)
وأدّت السرية التي أُحيط بها صدور المرسوم، ورفض السلطة في بادئ الأمر نشر أسماء المستفيدين منه، إلى تعزيز الشكوك حول الدوافع التي تقف وراء تجنيس هؤلاء الأجانب تحديداً، في وقت لا يزال فيه آلاف الأشخاص الذين يعيشون منذ عشرات السنين في لبنان، ويعتبرون أنهم يستحقون الجنسية، محرومين منها.
والمرسوم الذي نُشر، الخميس، يفصّل أسماء المستفيدين منه وجنسياتهم التي توزعت على 103 سوريين (25,1%) و108 فلسطينيين (26,3%) و200 من جنسيات عديدة أخرى؛ بينها فرنسية وعراقية وبريطانية وأردنية وأميركية، إضافة إلى أشخاص مكتومي القيد (دون أوراق ثبوتية).
ومن بين الذين شملهم مرسوم التجنيس؛ رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي الذي تربطه بلبنان علاقة وطيدة، بالنظر إلى أنّ والدته لبنانية وكذلك زوجته وأولادهما الثلاثة، ورجال أعمال معروفون منهم سوريون من الدائرة المقربة من النظام، أبرزهم خلدون الزعبي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "أمان القابضة"، ومازن مرتضى وهو نجل وزير تعليم أسبق.
وكانت رئاسة الجمهورية حاولت تهدئة عاصفة الانتقادات التي أثارها المرسوم، بأن أحالته إلى المديرية العامة للأمن العام للتحقق من حق الأشخاص الواردة أسماؤهم فيه بالحصول على الهوية اللبنانية، ولكن من دون أن تنشر أسماءهم في الإعلام.
وطلب رئيس الجمهورية، في بيان، "من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم ولا يستحق الجنسية اللبنانية، التوجه بمعلوماته هذه إلى وزارة الداخلية - المديرية العامة للأمن العام للاستثبات".
ويملك رئيس الجمهورية صلاحية منح الجنسية اللبنانية وحده بموجب مرسوم، يشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
لكن الحريري دافع عن المرسوم بقوله إنه حق دستوري للرئيس في أن يمنح الجنسية لمن يشاء.
وتحدّى المشنوق الذي شارك في توقيع المرسوم، الخصوم، لتقديم ادعاءاتهم في المحكمة بأنّ بعض المستفيدين أقل استحقاقاً للأمر. وقال المشنوق: "ينبغي على الأشخاص الذين لديهم أدلة أن يقدّموها".
— Nohad Machnouk (@NohadMachnouk) June 4, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Nohad Machnouk (@NohadMachnouk) June 4, 2018
|
ومع اكتساب المعارضة للمرسوم زخماً، اتخذ جهاز الأمن العام الاستخباراتي، خطوة غير معتادة، تتمثل في دعوة المواطنين إلى الاتصال أو إرسال أي معلومات عن الأشخاص المقرر تجنيسهم.
ولطالما شكّل قانون التجنيس قضية إشكالية في لبنان، خصوصاً أنّ كثيرين يربطونه بمساع لتغيير الميزان الطائفي في البلد الصغير ذي التركيبة الهشة.
وأعاد المرسوم المثير للجدل إلى الأذهان مرسوماً صدر في العام 1994 في ظل الهيمنة السورية على لبنان لتجنيس آلاف الأشخاص، وتبين لاحقاً أنّ غالبيتهم من المسلمين السنّة وبينهم سوريون وفلسطينيون.
نائب الرئيس العراقي... "لبناني"
أظهرت قوائم الأجانب الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية، وجود اسم نائب الرئيس العراقي إياد علاوي، وزوجته ثناء حميد، وأولاده الحمزة وسارة ونجاة ضمن هذه القوائم.
وتعرّض نائب الرئيس العراقي، لحملة واسعة من الانتقادات، بعد حصوله على الجنسية اللبنانية بعد البريطانية.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية مقربة من علاوي، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّه من المقرر أن يغادر علاوي إلى بيروت، بعد عطلة عيد الفطر، لترديد القسم المطلوب كمواطن لبناني.
وقال عضو في البرلمان العراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، اليوم الجمعة، لـ"العربي الجديد"، إنّ عائلة علاوي موجودة حالياً في لبنان، حيث تقطن في فيلا بإحدى مناطق بيروت الراقية.
وضمت القائمة أيضاً، اسم مستشار الرئيس العراقي ورئيس تحرير صحيفة "المدى" اليومية العراقية فخري كريم.
المرأة لا تستطيع تجنيس أبنائها
وأثار المرسوم، نزاعاً حول من يستحق المواطنة في هذا البلد الصغير الواقع على البحر المتوسط، والذي فيه لاجئ من بين كل أربعة أشخاص، ولا يمكن للنساء المتزوجات من أجانب تمرير جنسيتهن لأطفالهن، وغذى الاعتقاد بأنّ المواطنة، مثل العديد من الحريات الأخرى في هذا البلد، هي امتياز مخصص للأثرياء.
ولا يحق للمرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي أن تمرر جنسيتها لأطفالهما، كما أنّ أكثر من مليون لاجئ سوري وفلسطيني يكدحون في عمل حيوي، ولكن شديد الإجهاد بدون أي حماية قانونية ضد سوء المعاملة وسرقة الأجور والاعتقال التعسفي والترحيل.
مي عليان امرأة لبنانية متزوجة من أجنبي، وناشطة في حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، قالت في هذا الإطار، لـ"أسوشييتد برس"، "ينبغي أن يوقظ هذا القرار ضميرنا".
تقليدياً، ينتظر رؤساء لبنان حتى نهاية مدة ولايتهم لإصدار قرار التجنيس، لكن عون قام بتوقيع المرسوم، قبل أقل من عامين في فترة رئاسته التي مدتها ست سنوات، وبدون الكشف عنه للجمهور، مما أثار الشكوك حول المخالفات في هذا البلد الذي يمزقه الفساد.
وجاء المرسوم، في وقت حساس حيث لا يزال السياسيون اللبنانيون منقسمين بشكل حاد حول العلاقات مع نظام بشار الأسد في سورية، بينما تضغط الأحزاب الرئيسية على اللاجئين للعودة إلى بلادهم، في حين تقول الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية، إنّ البلد الذي مزّقته الحرب لا يزال غير جاهز.
حزب عون، "التيار الوطني الحر"، وخلال الانتخابات البرلمانية في السادس من مايو/أيار، حذّر من أنّ اللاجئين السوريين الذين يمثل المسلمون منهم أغلبية ساحقة، يشكلون تهديداً للطائفة المسيحية في لبنان.
العديد من السوريين المتعثرين يشعرون بالمرارة في أنّ لبنان يرحّب بالنخب، بينما يدير ظهره للعمال والعمالة غير الماهرة الذين يعملون لساعات طويلة، مقابل أجر ضئيل في الاقتصاد اللبناني غير المتكافئ على نحو فادح.
وقال محمد نعسان وهو مصفف شعر سوري عمره 40 عاماً في بيروت، لـ"أسوشييتد برس"، إنّ "الشخصيات الكبيرة تحصل على الجنسية ولا أحد يراعي الصغار".
كما أثار هذا القرار غضب الناشطين الذين دفعوا بقوة لإصلاح لبنان قوانينه الخاصة بالأحوال الشخصية التمييزية، والتي تمنح الرجال حقوقاً واسعة النطاق على النساء، بما في ذلك الحق في نقل جنسيتهم إلى أطفالهم، بينما لا تستطيع الأمهات ذلك.