اقرأ أيضاً: الحكومة اللبنانية تؤجّل خلافاتها أسبوعين وسلام لا يتراجع
كل هذا حصل على وقع تحرّك جمهور التيار الوطني الحر (الإطار التنظيمي الذي يتزعمه عون) من مختلف مناطق العاصمة باتجاه الساحات المحيطة بالسراي الحكومي في وسط بيروت. تمّ هذا التحرك بعد تحضيرات تمّت لأكثر من يومين، تخلّلها تجييش واسع في قنوات التيار السياسية والإعلامية، بالإضافة إلى "بروفا" نفذها العونيون، مساء الأربعاء ــ الخميس، من خلال إطلاق مواكب سيّارة في شوارع بيروت. إلا أنّ "ساعة الصفر" لهذا الزحف الشعبي باتجاه السراي أعلنها الوزير، جبران باسيل، (صهر عون) من داخل مجلس الوزراء، حين افتعل سجالاً مع سلام خلال تواجد المصوّرين الإعلاميين في القاعة في الدقائق الأولى لما قبل انطلاق الجلسة. نقلت كاميرات الصحافيين إشكالاً وصراخاً بين سلام وباسيل، تمّ على إثره دعوة الحشود العونية إلى الانتقال من مراكز تجمعها إلى وسط بيروت. وبثّت وسائل الإعلام المحسوبة على عون أخبار التجييش أبزرها: "الداعشي سلام يهين المسيحيين ووزراء تكتل التغيير والإصلاح". وانعكس هذا التحريض على الشارع العوني، حيث رفعت شعارات مهينة ومسيئة للرئيس سلام منها "بدنا نبقى هون ولو بدو يطلع على رأسك شعر" أي سنبقى هنا لو نبت الشعر على رأسك، مع العلم أنّ سلام مصاب بمرض جلدي لا يسمح بنمو شعره.
اقرأ أيضاً: عون يلجأ إلى الشارع: مطالبي أو الانفجار
وعلمت "العربي الجديد"، أن عدداً من "أبناء العائلات البيروتيّة" ومناصري تيار المستقبل كان ينوي النزول إلى محيط السراي للدفاع عن سلام، الذي يُعد ابن إحدى هذه العائلات، لكن جهوداً بذلها سلام ومسؤولون في تيار المستقبل منعت هذا التحرك، الذي كان يُمكن أن يُشعل اشتباكاً ذا طابع طائفي.
وعلى المداخل المؤدية إلى السراي الحكومي، اصطدم مئات العونيين بعناصر الجيش والقوى الأمنية التي عملت على إقفال الطرقات المؤدية إلى مكان انعقاد الجلسة الحكومية، وسجّل سقوط جرحى في صفوف الطرفين. فجاء الحشد العوني صغيراً نسبة إلى الحملة السياسية التي يقودها عون منذ أكثر من أسبوعين على الحكومة، بالإضافة إلى التهيئة التي يشهدها شارع عون منذ أيام.
وعلى الإثر، تحرّكت الماكينات السياسية والإعلامية العونية من جديد ووصفت القوى الأمنية المنتشرة في محيط السراي بـ"عسكر تمام سلام"، في هجوم مزدوج هذه المرة على سلام من جهة وعلى قيادة الجيش من جهة أخرى. خصوصاً أنّه إثر الاحتكاك بين الطرفين سأل المعتصمون العناصر الأمنية "هل أرسلكم قهوجي لتضربوننا"؟ واستكمل هذا الهجوم بآخر علني على لسان نواب في التكتل، فوصف النائب زياد أسود سلام بـ"الداعشي بفكرك وعقلك والمتطرف"، وتوجه إلى قائد الجيش بالقول: "دورك ليس أنْ تقمع شعبك، بل أنْ تحافظ على الحرية". مشيراً إلى أنّ "بيان الجيش هو لغسل اليدين من الجريمة التي ارتكبت اليوم". مع العلم أنّ قيادة الجيش أصدرت بياناً أكدت فيه أن المؤسسة العسكرية "لن تستدرج إلى أيّ مواجهة مع أي فريق كان، وأن هدفها هو حماية المؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة، وسلامة المواطنين، إلى جانب تأمين حرية التعبير لدى جميع اللبنانيين". مع العلم أنّ تصادم جمهور عون والجيش يعدّ خطوة ناقصة من قبل قيادة التيار لكون عون قائد سابق للجيش اللبناني ونال شرعيته الشعبية والسياسية من هذا الموقع، كما أنّ الجمهور العوني لطالما اعتبر نفسه جمهور الجيش.
اقرأ أيضاً: اجتماع الحكومة اللبنانية ينهي التعطيل... وعون يهدد بـ"التفجير"
استمرّ مشهد التدافع بين المتظاهرين والعسكريين طوال مدة جلسة الوزراء التي كانت تنتقل من سجال لآخر بين وزيري التكتل وزملائهم الآخرين من مختلف الكتل. فبعد السجال الأول بين باسيل وسلام، انتقل التشنّج إلى النقاش بين، باسيل والوزيرين وائل بو فاعور وأكرم شهيّب، (وزيرا كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط)، حيث "حصل تلاسن بين الوزراء والكثير من الصراخ، خلال مناقشة موضوع مناقشة صلاحيات الرئاسة". فاتفقت مصادر وزارية على وصف ما حصل داخل الجلسة بـ"جلسة أبناء الشوارع"، وهو الأمر الذي ردّده وزير العمل، سجعان قزي، داخل وخارج الجلسة، حيث قال، إنّه "يجب البدء بمناقشة الأخلاق قبل البحث في الآلية الدستورية".
وعلّق أحد الوزراء مشيراً إلى أنّ "الأجواء التي تم نقلها في الإعلام عن الجلسة مسيئة للحكومة ككل"، مضيفاً أنّ "باسيل افتعل السجال مع سلام بغية تسجيل موقف سياسي"، الأمر الذي أثّر على معظم الجلسة. وأضاف الوزير نفسه أنّ "لملمة النقاش واستعادة الهدوء بين الوزراء تمّ خلال الدقائق الأخيرة من الاجتماع". معتبراً أنّ "عودة الهدوء جاء ليؤكد أنّ أيّاً من الأطراف في الحكومية يريد تفجيرها أو تعطيلها عكس ما هو ظاهر من بعضهم في الإعلام".
عمل رئيس الحكومة على تهدئة الأوضاع من خلال دعوته إلى اجتماع وزاري مصغّر على هامش الجلسة، تمّ خلاله التوصل إلى التسوية بوضع مطالب تكتل عون على جدول النقاشات داخل الحكومة، فتم تأجيل انفجار مجلس الوزراء والشارع من خلفه. ومقابل هذا المكسب العوني، تمكّن سلام من تمرير بند دفع مستحقات المستشفيات. وبالتالي سيكون على عاتق سلام والقوى الوزارية الأخرى، القيام بجهد سياسي فعّال وكبير خلال الأسبوعين المقبلين بغية تحضير أرضية مجلس الوزراء أمام عودة النقاش الدستوري إليه في ظل التهديد المستمرّ الصادر من عون.
على هامش ما حصل في الحكومة وخارجها، أشارت مصادر وزارية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ النقاش حول آلية اتخاذ القرار داخل الحكومة تركّز حول اعتماد واحد من هذه الخيارات الثلاثة: اعتماد التصويت وحسم القرار بالنصف زائد واحد، اعتماد نسبة الثلثين لإقرار البنود، أو فرض الإجماع للبت وإصدار القرارات. كما أن هذا الأمر مرتبط بشقٍ ثانٍ، وهو هل سيتم التمييز بين مراسيم عاديّة ومراسيم استثنائية. إذ ينص الدستور في الأحوال العادية على أن قرارات الحكومة تتخذ بالنصف زائد واحد، ما عدا القرارات الأساسيّة. وتُعتبر هذه النقطة مطاطة، إذ يُمكن لأي طرف أن يرى موضوعاً ما أساسياً، فيما يراه الآخر عادياً، وهذا ما يُمكن أن يفتح باباً خلافياً جديداً. واتفق خلال الجلسة، بحسب المصادر الوزارية، على أن يعود كل وزير في الجلسة المقبلة محملاً بطروحات واضحة في هذا المجال، إذ كانت النقاشات في هذه الجلسة أقرب إلى العصف الذهني المترافق مع توتر شديد منها إلى نقاش طروحات واضحة.