حفز الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل الأطراف اللبنانية الأخرى على الانجرار وراء هذا الخيار الهادئ وعلى فتح قنوات التواصل في ما بينها علّه يصار إلى إيجاد حلول للأزمة السياسية. مسّ لقاء الحزب بالمستقبل، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، بشكل مباشر حليفيهما المسيحيين، أي رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. بات الأخيران محرجين أمام الجميع وأمام نفسيهما، باعتبار أنّ المستحيل تمّ، فماذا عن ما هو صعب؟ بلغة أخرى، اجتمع ممثلو إيران بحلفاء السعودية، أو بلغة أوضح التقى الشيعة والسنة المتصارعان في المنطقة وعليها، فما المانع من لقاء بين زعيمين مسيحيين محليين؟
إضافة إلى هذا الإحراج، بات الزعيمان المسيحيان متوجّسين من التقارب الحاصل بين المستقبل وحزب الله، وهو خوف من إمكانية إحلال اتفاق حول رئاسة الجمهورية أو حول ملفات سياسية أخرى، فتخرج القوى المسيحية من دائرة القرار والحسم وتصبح مجرّد غطاء ميثاقي أو أدوات تنفيذية لما يقرره المتفقون. ومهما أكدت قيادتا التيار والحزب لحلفائها على كون الحوار لا يهدف إلى اختيار اسم لرئيس الجمهورية (الانتخابات الرئاسية معطلة منذ أغسطس/آب الماضي)، فإنّ هذه التطمينات غير مجدية بعد تجارب متكررة في مجالس الوزراء وفي الحكم وفي قضايا أمنية كبرى وصغرى.
وبالتالي أصبح عون وجعجع مضطرين إلى إيجاد تفاهم بينهما أو على الأقل أخذ صورة تجمعهما. وفي هذا الإطار، بادر جعجع ليل الأربعاء - الخميس إلى الاتصال بعون وتهنئته بمناسبة حلول عيد الميلاد. وتضمن اتصال المعايدة، بحسب الدائرة الإعلامية في القوات، العبارة الآتية "على أمل أن يحمل العيد السلام للبنان والبركة لحلّ كلّ مشاكلنا الداخلية". بما يعني أنّ نيّة التواصل موجودة ولا تزال تنتظر حلول بركة ما. وبينما يحمل وسطاء متفائلون الأسبوع الأخير من العام الحالي، موعداً للقاء الرجلين، تدلّ الإشارات إلى أنّ هذا الاجتماع لم ينضج بعد وينتظر الكثير من اللمسات. مع العلم أنّ الكنيسة المارونية تقف على حياد سلبي تام إزاء هذا الحوار المفترض، إذ يرفض البطريرك بشارة الراعي التدخل أو المبادرة إلى جمع القوى المسيحية تحت عباءة الكنيسة. فيترك هذا الدور لمجموعة من الشخصيات المسيحية الموضوعة في خانة الوسط، والمعنية بإدارة ملفات ومؤسسات مارونية في لبنان والخارج.
وتشير أوساط القوات اللبنانية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "التواصل مستمر على نحو مفاجئ بين القوات وعون، وهو قائم منذ ثلاثة أسابيع على نحو مباشر أو من خلال وسطاء مسيحيين". وتضيف هذه الأوساط أنّ لقاءً تم بين عون ونائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات ورئيس كتلتها النيابية، النائب جورج عدوان، لحقه تواصل على المستوى النيابي بين الطرفين. فنشط على هذا الخط أمين سر تكتل التغيير والإصلاح (الذي يرأسه ميشال عون) النائب إبراهيم كنعان والنائب آلان عون. يؤكد كنعان وعون على "وجوب التواصل مع الجميع وبالأخص مع القوى المسيحية"، في ظلّ تشديدهما على لازمة "إيصال رئيس قوي إلى قصر بعبدا الرئاسي"، بما يعني تمسّك عون بالترشّح وبوصوله إلى الرئاسة. الأمر الذي من شأنه عرقلة أي مسعى للحلّ باعتبار أنّ إصرار عون يقابله أيضاً رفض واضح من قبل المستقبل والقوات وباقي مكوّنات فريق 14 آذار.
ومن خلال كل هذه الأجواء، بات صحيحاً القول إنّ عقد لقاء بين عون وجعجع أصعب من جمع القوى الإقليمية المتخاصمة والمتقاتلة. فيمكن لعداء شخصي بين الزعيمين المسيحيين أن يكون أقوى من حرب نفطية وعسكرية ومعركة نفوذ إقليمي. سبق لعون أن عارض التسويات الإقليمية والمساعي الدولية (اتفاق الطائف عام 1990) فدفع اللبنانيون الثمن بدخول الجيش السوري إلى بيروت، فلجأ هو إلى باريس. كما وقف جعجع عام 1994 في وجه الوصاية السورية على لبنان برعاية أميركية، فحُلّ حزبه وسُجن 11 عاماً. ومن هذه التجارب يستمد الواقع المسيحي واللبناني أزمته، في حين تقول الظروف الإقليمية إنّ التقارب والحوار مطلوبان بين الأطراف اللبنانية.
وصل كل من في لبنان إلى قناعة تفيد بأنه "ممنوع تدمير البلد أو إخضاعه لحرب أو تقسيم، وعلى اللبنانيين التعايش مع المرحلة الإقليمية الحالية بالدقة اللازمة للمحافظة على أنفسهم وعلى دولتهم وحدودهم". لم تأت هذه القناعة نتيجة جهد لبناني أو حرص سياسييه على الجمهورية والمؤسسات وأمن المواطنين، إنما بفعل كلام السفارات الغربية والموفدين الدوليين والإقليميين الذين لايزالون يرون في لبنان "ساحة رئيسية للاستقرار في المنطقة ومكاناً لحوار ممكن فيها". وردت هذه الأجواء بشبه حرفيّتها خلال لقاءات دبلوماسية متنوّعة بين السفارات الفرنسية والأميركية والسعودية من جهة، وفي كلام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني خلال زيارته بيروت من جهة أخرى. لكن يبدو أنّ معارك ضبية (شمالي بيروت) والقليعات (قضاء كسروان) والأشرفية في العاصمة (في العام 1990) لا تزال تحكم الكثير في علاقة عون بجعجع.