دخل لبنان في العام الثاني من التمديد للمجلس النيابي المعطّل بفعل مقاطعة عدد من الكتل النيابية لأعماله، ومن الفراغ الرئاسي المستمر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان. حتى الحكومة تُعاني من شلل مؤقت نتيجة تمسّك رئيس "تكتل التغيير والإصلاح"، النائب ميشال عون، بأولوية بت ملف التعيينات الأمنية، ومن خلفها إيصال صهره، قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش. وهو واقع يُظهر حجم الخلل في البنية السياسية اللبنانية العاجزة عن إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، أو على الأقل التوافق على الملفات السياسية.
في ظل هذا الواقع، تبرز بين الحين والآخر طروحات سياسية لقوى تحالف الثامن من آذار التي ترى أن حل المشاكل السياسية في لبنان يتم بإعادة نقاش شكل الكيان السياسي في لبنان ككل. فقد أعلن النائب ميشال عون في حديث صحافي عن "نية تكتله طرح فكرة إنشاء فدرالية في لبنان لحماية حقوق المسيحيين في الدولة وضمان بقائهم في وطنهم، في ظل ما يتعرض له مسيحيو المشرق من تهديد وتهجير". وقد تلقف نواب تكتل عون الاقتراح، وتحدثوا لمختلف وسائل الإعلام عن أهمية الطرح ومساهمته في حماية "حقوق المسيحيين"، بعد "يأسنا من النظام السياسي الحالي". لكن أحد نواب التكتل يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "طرح الفدرالية غير مجدٍ على صعيد حماية حقوق المسيحيين". وفي المقابل، يشير نائب رئيس مجلس النواب السابق، وصاحب مشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي"، إيلي الفرزلي، وهو أحد مستشاري عون، لـ"العربي الجديد" إلى أن "حديث النائب عون ينطلق من وجوب تصحيح الاعوجاج القائم في تطبيق اتفاق الطائف الذي حدد صيغة العلاقة التشاركية بين الطوائف اللبنانية، ولم يجد طريقه إلى التنفيذ بشكل كامل حتى اليوم". من هذا المنطلق يجد الفرزلي أن "لا عُقد أمام أي طرح يؤسس لصيغة تشاركية سليمة تحمي الحقوق الدستورية للطوائف المسيحية من الاعتداء، بما فيها الفدرالية التي طرحها عون رداً على سؤال صحافي". ويشير الفرزلي إلى "إمكانية طرح شكل النظام الفدرالي وحجمه لاحقاً، بعد وضع عُقد الأطراف السياسية جانباً". وفي وقت يطرح النائب آلان عون مشروعه الفدرالي من منطلق حماية الحقوق المسيحية، تحفظ عدد من نواب حزب "القوات اللبنانية" عن التعليق لـ"العربي الجديد" على طرح عون، علماً أن هناك حواراً قائماً بين الطرفين للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.
وقد أنهى اتفاق الطائف الحرب، وشاركت أغلب الأطراف المتحاربة فيه (قاطعه النائب ميشال عون)، وحدد شكل الدولة في لبنان وتوزيع الحصص الطائفية. إلا أن قوى الثامن من آذار طرحت اقتراحات تخالف الطائف في النص والمضمون. وتبنّت أغلب القوى المسيحية في لبنان مشروع قانون "اللقاء الأرثوذكسي" عام 2013، على اعتباره "يحفظ الحقوق المسيحية في التمثيل البرلماني السليم". ويقوم مشروع القانون على انتخاب كل طائفة لنوابها، على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة مع نظام اقتراع نسبي ضمن الطوائف. وبالفعل، وجد مشروع القانون سبيله إلى مجلس النواب، بعد إقراره في اللجان النيابية المشتركة، وهي الخطوة الأخيرة قبل طرحه على التصويت في البرلمان، وهو ما لم يتم، إذ مدد مجلس النواب ولايته عام 2013 لأربع سنوات جديدة تنتهي عام 2017.
وسبق "اللقاء الأرثوذكسي" طرح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله "عقد مؤتمر تأسيسي لبناء الدولة"، عام 2012. انطلق نصر الله من طرحه "كون الجميع يتفق على عدم وجود دولة حقيقية في لبنان". مع العلم أن القوى السياسية الأخرى في لبنان، تتهم حزب الله بتعطيل وجود الدولة من خلال سلاحه العابر للحدود، والذي أصبح بعد تاريخ 7 مايو/أيار 2008 جزءاً من المنظومة السياسية اللبنانية، يستخدمه الحزب للضغط على خصومه.
يجمع طرح عون الفدرالي بين الهواجس المسيحية وفكرة المؤتمر التأسيسي التي طرحها حزب الله. أفكار لم تجد حتى الآن طريقها إلى حوار جدي وفعلي مع بقية المكونات المحلية كتيار المستقبل الذي خاض في فترة سابقة حواراً مع تكتل عون، ويستمر في حواره مع حزب الله حتى اليوم ضمن عناوين ضيقة لا تلامس فدرالية عون أو مؤتمر نصر الله.