تُعلن جميع القوى السياسيّة الموجودة في البرلمان اللبناني رفضها لـ"قانون الستين" الانتخابي، وهو القانون الذي أقرّ عام 1960، وأنتج مجلس عام 1972 النيابي، وهو آخر مجلس نواب منتخب قبل الحرب الأهلية (1975 ــ 1990). يعتمد هذا القانون على النظام الأكثري، وعلى القضاء كدائرة انتخابية. وفي العام 2008، أُعيد اعتماد هذا القانون مع تعديلات بسيطة، بضغط من رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون وحلفائه، تحت عنوان إعادة حقوق المسيحيين. ولسخرية القدر، يعتبر عون وفريقه السياسي اليوم أن "قانون الستين" لا يضمن حقوق المسيحيين، وتبنوا في لحظة "صدق" مشروع القانون الأرثوذكسي، الذي ينص على أن ينتخب كل مذهب نوابه.
تجتمع اللجان النيابيّة المشتركة بشكلٍ دوري، من دون أن تصل إلى حدٍ أدنى من القواسم المشتركة. قبل يومين، اختصر النائب في كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله النيابيّة)، علي فيّاض، هذا العجز، عندما أشار إلى أن "المسار المعتمد في النقاش بشأن قانون الانتخاب لن يؤدي إلى نتيجة". تجدر الإشارة إلى وجوب إقرار القانون الجديد خلال الأشهر المقبلة، لأن الانتخابات تجري قبل شهرين من انتهاء ولاية المجلس النيابي، وهي ولاية ممدة أصلاً (تنتهي الولاية في يونيو/ حزيران 2017).
قبل الانتخابات البلديّة الأخيرة، كان واضحاً أن معظم الكتل النيابيّة ليست جديّة في تجاوز "قانون الستين" الانتخابي. عدم الجديّة هذه، لا تعني عدم استغلال شعار رفض القانون، في سياق المزايدات السياسية. نتائج الانتخابات البلدية غيّرت في آراء بعض الكتل، وهو ما يؤكده قول النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن حزب الله أبلغهم في الاجتماع الأخير للجان المشتركة، ظهر أمس، أنه معني بهواجس الكتل المسيحية لا غير. هذا الأمر يعني، برأي فتفت، أن الحزب قرر العودة إلى نقطة الصفر في النقاشات، "وقد تم تأجيل جلسة اللجان المشتركة المقبلة إلى ما بعد جلسة الحوار الوطني، في 21 يونيو/ حزيران الجاري، لأن حلّ موضوع قانون الانتخاب سياسي".
هذا الكلام يؤكّد تهميش عمل مجلس النواب لصالح هيئات غير منتخبة، كهيئة الحوار الوطني، لكنه يُشير إلى أن الكتل النيابيّة بحاجة إلى مزيد من الوقت لاستيعاب حقيقة ما جرى في الانتخابات البلديّة والبناء عليه. كما يُشير هذا الأمر إلى أزمة النظام السياسي العميقة. فالقوى السياسيّة تتعامل مع قانون الانتخاب على أنه قانون يُقرّ لمرة واحدة لا غير. وبالتالي، فإن تفكيرها يرتكز على تحقيق الانتصار في دورة نيابيّة، وليس اعتماد قانون يؤسس لبناء مؤسسات قادرة على إدارة الحياة السياسية وتأمين مصالح المواطنين، وخصوصاً أن تجربة إدارة الحكم ومؤسسات الدولة، في السنوات الـ11 الأخيرة، أي منذ انسحاب الجيش السوري، تُعدّ فاشلة.
المستجد بعد جولة الانتخابات البلديّة الأخيرة، هو انتقال الصراع من كونه "كباشاً" بين أحزاب، قدّم كلّ طرف فيه نفسه على أنه ممثل لطائفة، إلى صراع على السلطة داخل الطوائف نفسها. فالأصوات الاعتراضية، والتي اتسم معظمها بأنه "حالة مدنية"، ظهرت قوية في الانتخابات الأخيرة، وتميّزت بأن خطابها السياسي تشابه مع واقع أن معظم القيّمين عليها هم من الجيل الشاب، الذي متّن وجوده وحيثيته خلال تظاهرات الحراك المدني، الصيف الماضي، ضد فضيحة انتشار النفايات في الشوارع، والصفقات حول الحلول التي طرحتها الحكومة.
ويُمكن تلمّس هذا الأمر عبر خطاب "ثعلَبَي" السياسة في لبنان، نبيه بري ووليد جنبلاط (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي). تحدث الرجلان بشكلٍ واضح عن أن عدم استيعاب هذا الحالة المدنية، سيؤدي إلى الانقلاب على النظام السياسي. وفي هذا السياق، حاول رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميّل، والوزير أشرف ريفي، "الاندماج" في هذه الحالة المدنية التي لا تزال غير منظمة. واستفاد ريفي من واقع تقديم استقالته من الحكومة الحالية، ليقول إنه معترض على أداء الطبقة السياسة وليس جزءاً منها. في المقابل، بدا تيار المستقبل والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ وحزب الله في حالة اشتباك مع هذه الحالة المدنية، مع وجود فوارق ناتجة عن عدم تساوي قوة الحالة المدنية في المناطق من جهة، وتنظيم الأحزاب أو ترهّلها من جهة أخرى.
بالتالي، فقد أُضيف هاجس آخر لهذه القوى السياسيّة، وهو مواجهة الحالة الاعتراضية داخل طوائفها، وهي حالة تستند إلى اعتراض كبير لدى اللبنانيين على أداء السلطة في المجال الاقتصادي بالدرجة الأولى، وهو أداء لا يبدو أنه سيتغيّر في المدى القصير، بل إن الأزمة الاقتصادية في تزايد. لذلك، فإن القانون الانتخابي النيابي يجب أن يأخذ هذا الأمر بالاعتبار، بحسب وجهة نظر الكتل السياسيّة. على هذا الأساس، بدأ الكلام في صالونات عدد من السياسيين في بيروت حول احتمال تأجيل الانتخابات النيابيّة المقررة العام المقبل، يأخذ منحى جدياً، وخصوصاً أن سبب التأجيل الذي بدأ يتردد، هو "التهديدات الأمنية" التي تتم إعادة التركيز عليها في الإعلام بشكل مكثف في الأيام الماضية بشكل يراه البعض استعراضياً ويخبئ نوايا سياسية.