فإقرار قانون السير الجديد في لبنان جاء من حماسة زائدة قبل أن يصبح رجال الشرطة أولاً جاهزين لتطبيقه. الحماسة كانت عدوى ربما ناتجة عمّا يقوم به وزير الصحّة وائل أبو فاعور الذي فتح باب الأمن الغذائي على مصراعيه وفضح مافيات المطاعم والمقاهي. بعده كلّ وزير ربط "الوَزرة" وقرّر العمل في وزارته، على الأقل من ناحية القرارات.
بعد الكثير من الصرخات المطالبة بقانون سير جديد، ظهر في عام 2012، بعد سبع سنوات "من الإعداد" (الأمور المتقنة يلزمها بعض الوقت) قانون سير يبدأ العمل به "فور نشره في الجريدة الرسمية"، وذلك في العدد رقم 45 تاريخ 25-10-2012.
ثمّ ظهر قرار آخر! أجاز القانون صدور "القرارات التنظيمية" كي يمكن تطبيقه ضمن مهلة لا تتعدّى سنة من تاريخ نشر القانون، ما يعني عملياً أنّ التطبيق كان يُفترَض أن يبدأ في 25 أكتوبر/تشرين الأوّل 2013.
بالطبع بقي القانون حبراً على ورق. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّه صُرف فعلاً الكثير من الحبر لعرض لائحةٍ طويلةٍ يشرح فيها للمواطنين (رغم عدم اهتمامهم) على أيّ أساس ستُسحَب النقاط من دفاتر السوق، قبل أن يُمنعوا من القيادة. 420 مادّة، ثمّ جدول مخالفات من 376 نوعاً مقسّمة على خمس فئات، وعلى المواطنين أن يأخذوها في عين الاعتبار!
القانون رقم 243 عاد إلى الواجهة من جديد أواخر عام 2014 على أن يبدأ تطبيقه في بداية عام 2015. هذه المرّة لم يتم "تخويف" المواطنين بمسألة النقاط، بل تمّ التوجّه مباشرة إلى صلب الموضوع، إلى المسألة التي تجعل المواطن اللبناني يتوقّف ليصغي: مسألة المال! تمّ الإعلان عن أنّ قيمة المحاضر قد تصل إلى ثلاثة ملايين ليرة (ما يعادل ألفي دولار أميركي) ولن تكون أقل من مائة ألف ليرة (66 دولاراً أميركياً) في الحالات الأكثر شيوعاً عند اللبنانيين: الوقوف الممنوع.
المشروع حتّى اليوم لم يبدأ تنفيذه جدياً للأسباب نفسها التي منعت تنفيذه في السابق: عدم الجهوزية. ربّما ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنّ الجهوزية الحقيقية تتطلّب تكتيكاً يتفوّق على "اللبناني الحربوق" الذي سيدفعه منطقه الناتج من مخلّفات الحرب إلى تفادي تطبيق القانون بشتّى أنواع التذاكي و"الواسطة".
فهل يمكن توفير شرطي لكلّ سائق، ثمّ مراقب لكلّ شرطي (بما أنّه لبناني هو أيضاً)، ثمّ مسؤول أعلى لكلّ مراقب (بما أنّه أيضاً لبناني)، ثمّ وزير لكل مسؤول (للسبب عينه)، ثمّ كاميرا على كلّ وزير؟ وهل الدولة قادرة على "جباية" الاشتراكات الشهرية (من مخالفات السير) من أكثر من نصف الشعب اللبناني الذي سيخالف القوانين حتماً؟
لا يكفي أن يلتقط الرادار مخالفة ما، بل يجب أن يدفعها المواطن كي "يحسّ بالسخن"، فماذا حصل بالمخالفات التي تخطّت المليون منذ دخل الرادار مجالنا الأرضي؟ ومعظمها لم يُدفع حتّى الآن.
حتّى اليوم لم نجد أيّ قانون، ولا أيّ قانون واحد، يتمّ تطبيقه لأكثر من شهرين أو ثلاثة كحدٍّ أقصى. وقانون منع التدخين في الأماكن العامة خير دليل وشاهد، والتدخين بات مسموحاً في كلّ مكان عام وفي كلّ مطعم ومقهى "على عين الدولة".
وهذا ما يجعل أيّ قانون جديد غير قابل للترسّخ عند "شعب لبنان العظيم". وكذلك لا ينفع أن يصبح القانون "فخّاً" ينصبه المسؤولون في أواخر كلّ شهر، بين الحين والآخر، لأنّه لا يحصد إلّا بعض الأموال، من الفقراء الذين لا واسطة لهم لإلغاء "محضر الضبط"، بالإضافة إلى الكثير من الشتائم من الجميع.
السؤال الذي تبدو إجابته شبه أكيدة، بحسب تاريخ اللبنانيين مع القوانين: قانون السير الجديد هل سيسير وفقه المواطنون أم سوف "يسيرون" عليه؟
فلننتظر، رغم أنّ الإجابة شبه معروفة.