قرب "خيمة المفقودين" التي طالما احتضنت تحركات ومطالب ودموع الأهالي وسط العاصمة اللبنانية بيروت، عقدت لجنة المفقودين والمخفيين قسرياً في لبنان مؤتمرها الصحافي اليوم الأربعاء، احتفاءً بتكريس حق ذويهم بمعرفة مصيرهم، بعد أن أقر مجلس النواب اللبناني قانون الأشخاص المفقودين والمخفيين قسرياً، في نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
جلس أهالي المفقودين والمخفيين قسرياً خلف رئيسة اللجنة، وداد حلواني، التي ألقت كلمةً بالمناسبة. وحملوا صور مفقوديهم ولافتات تطالب بمعرفة مصائرهم، وأخرى تطالب بشار الأسد بالإفراج عن المعتقلين في السجون السورية.
القانون كرس حق المعرفة
قالت حلواني للأهالي في كلمتها: "هذا الإنجاز صنيعتكم. أنتم حققتموه، صنعتموه بتمسككم بالحق وبتحملكم ما يعجز جبل عن تحمله". وتذكر حلواني محطات عدة من مسيرة المطالبة بالحق بمعرفة المصير، بدءاً من المحطة الأولى واجتماع مئات النساء على كورنيش المزرعة في بيروت، تلبية لندائها عبر الراديو إثر خطف زوجها، حيث تعارفن واتفقن على توحيد الجهود سعياً لإعادة أحبتهن سالمين. ومروراً بفترة السلم في عام 1990 حين استبشرن خيراً فيما حاول حكام "ذاك السلم المزعوم" خنق أصواتهن المطالبة بالحقيقة بحجة التهديد بإشعال حرب جديدة. ووصولاً إلى اليوم الذي قالت عنه: "حقاً صرنا الإعجاز بعينه وهذا القانون الإنجاز يليق بنا".
في لحظات الفرح بالإنجاز لا بد من ذكر من رحلوا، قالت حلواني، وذكرت أسامي عدة منها "سنان براج كان أول من وقف إلى جانبنا، رافقنا في النضال في أوج سنين الحرب، تبنى القضية يوم كنا وحدنا على الأرض، صارت شغله الشاغل. وغازي عاد أيها القاعد الواقف كرامة، كم كنت كبيراً بإدراكك لحجم مأساتنا، بتصديك لمحاولات تجزئتها، توظيفها، تسييسها حرصاُ منك على بعديها الإنساني والوطني".
وعن القانون الذي اعتبرته حلواني خطوة متقدمة في نضالهم، ومحطة مفصلية هامة للمجتمع اللبناني كله، قالت "بالنسبة للأهالي كرس القانون حقنا بالمعرفة. وعلى مستوى المجتمع إن الاعتراف الرسمي يعني أن هذا الحق مجتمعي بامتياز، يسري على كل الناس".
وكررت حلواني براءة اللجنة من المادة 37 من القانون المتعلقة بمعاقبة الفاعلين والمحرضين على الخطف، معتبرة أنها "لا تضيف شيئاً على القانون الحالي وعلى مطالبنا. مسودة مشروع القانون الذي تقدمنا بها لم تتضمن أية عقوبة على ارتكابات الماضي".
مخاوف من المحاصصة في تشكيل الهيئة
وعن الخطوات المقبلة قالت حلواني: "سبق وذكرت في البداية أن تاريخ 13 تشرين الثاني 2018 ليس كما قبله على مستوى هذه القضية. للأهالي أقول مجدداً علينا شحذ قوانا وعدم التخلي عن العزيمة والإرادة الصلبة، علينا المثابرة لإكمال المسيرة للترجمة العملية لأحكام القانون. وعلى الحكومة المنتظرة أن تسرع الإجراءات لتنفيذ هذا القانون بدءاً بتشكيل الهيئة الوطنية، بتسمية مرشحيها، آملين منها أن تختار أعضاءها وفق معايير الكفاءة والنزاهة والمصداقية فقط بعيداً عن اعتماد المحسوبيات والمحاصصة الطائفية".
كما ناشدت "المجتمع بأفراده وهيئاته الحقوقية والإعلامية لمواكبتنا. للذين أساؤوا إلينا عن قصد أو عن غير قصد في ظروف الحرب، والذين يملكون معلومات مفيدة حول مصائر المفقودين هذا القانون أتى لينهي النزاعات، فأرجو التعامل معه وأرجو أن تعلموا أن من يعرف هو الذي يملك بلسم جراحنا، وأن هذا القانون أتى لينقل هذا البلسم إلينا. الدعوة أوجهها لكل من يعرف أيا كان مقامه أو دوره بالتوجه إلى الهيئة الوطنية فور إنشائها لتسليمها ما لديه من معلومات".
وأعربت حلواني لـ"العربي الجديد" عن تخوفها "من المحاصصة في تشكيل الهيئة بحكم أن كل ما في البلد تجري محاصصته". وعن وجود ممثلين عن اللجنة في الهيئة تقول حلواني "لا حماسة لديهم للتواجد في اللجنة لأن دورهم رقابي فقط، وبدل تعيين 6 أعضاء من المجتمع المدني ومن لجنة الأهالي كان من الأفضل اختيار خبراء".
عن زيارة المشاركين في الحرب بهدف حثهم على الإدلاء بمعلوماتهم أمام الهيئة تجيب: "وجهنا اليوم رسالة لطيفة وواضحة لمن شاركوا في الحرب، لن نعدم أي وسيلة للتواصل مع هؤلاء لإقناعهم أننا لا نريد الانتقام. ونحن بانتظار تشكيل الحكومة".
أما النائب شامل روكز، والذي كان ضابطاً في الجيش اللبناني واستلم مهام أمنية عدة، فأوضح لـ"العربي الجديد": أن "المهام الكبرى في الهيئة التي ستتشكل لكشف مصير المفقودين تقع على عاتق القضاة والضباط"، مؤكداً أنه سيدلي أمام اللجنة بكل ما يملكه من معلومات وأنه سيكون بتصرفهم. لكنه لفت إلى أن المعلومات التي لديه هي تلك الموجودة عادة لدى الأجهزة.
وأضاف روكز: "أغلب من يملك المعلومات هم من كانوا زعماء المليشيات، وهنا الدور الأبرز للقضائيين والضباط. والقانون نص على حماية كاشفي المعلومات".
أجيال متعاقبة تبحث عن مفقوديها
شارك في المؤتمر أناس من الجيل الأصغر، أبناء وأحفاد يطالبون بمعرفة مصير مفقوديهم ويتعهدون بمتابعة مسيرة المطالبة بالكشف عن مصائرهم. أحد الأطفال البالغ من العمر 12 عاماً تحدث عن فقدان جدته وجده في الحرب. وقال إنه أتى إلى المؤتمر ليطالب بعودتهم، مؤكداً أنه سيظل يطالب حتى معرفة مصيرهم.
وبعد المؤتمر توجهت إحدى النساء نحو حلواني لتسألها عن كيفية متابعة قضية أحد المفقودين. ولدى سؤالها عن قصتها، روت نجوى عادل الذيب لـ"العربي الجديد" قائلة: "فقد والدي في عام 1984، وعشنا بعد ذلك في أستراليا فترة طويلة. قدّمت ملفه إلى الصليب الأحمر الدولي هناك لمعرفة مصيره لكني لم أحصل على إجابة. طالبت باستعادة الملف وحصلت عليه ناقصاُ عدة أوراق". وتابعت: "جئت منذ عامين إلى لبنان وأحاول معرفة مصير والدي، أبلغوني بوجود لجنة لأهالي المفقودين، فجئت كي أعرف لمن أقدم الملف الذي أملكه وكيف يمكنني متابعته".
وأخبر الزميل ميثم قصير وهو أحد أفراد اللجنة، أنه فقد جده أثناء الحرب، وأن وداد حلواني تواصلت معه بعد معرفتها بقصة جده، ليكون عضواً في اللجنة حرصاً على استمرار القضية عبر الأجيال. وأكد قصير وجود مجموعة صغيرة من الجيل الجديد تتابع القضية، معتبراً أن "القضية لا تموت ولا ترتبط فقط برابط الدم الأول. كجيل جديد لدينا دور كبير مرتبط بالمفقودين. أنا بحاجة أن أعرف مصير جدي لأنني حرمت منه طوال حياتي، ولن أرتاح قبل معرفة مصيره ودفنه".
أدلة وعينات لدى الصليب الأحمر
في حديث لـ "العربي الجديد" قالت الناطقة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، رونا الحلبي، "إن اللجنة تحتفظ بالعينات في غرفة مخصصة لذلك، وهي تتحضر لنقل نسخة من المعلومات والعينات إلى جينيف خلال الأيام العشرة المقبلة، لضمان بقائها في حوزة اللجنة. وتطمئن أن العينات المأخوذة لن تتلف بسرعة وهي قادرة على البقاء لسنوات". وأضافت الحلبي:" ستستمر اللجنة بعملها في جمع العينات البيولوجية، وعند إنشاء الهيئة نحن مستعدون لإعطائهم المعلومات اللازمة ومساعدتهم".