تعرض وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد لسرقة هاتفه النقال، هكذا جاء في صحيفة "ذي صن" البريطانية، التي نقلت عنه قوله إنه تعرض بالفعل منذ أشهر للسطو من قبل لص على دراجة نارية أثناء سيره في شمال لندن.
جرى كل ذلك في لمح البصر، كما قال جاويد في حديثه، وقبل أن يستوعب ماذا يحصل، كان اللص والهاتف قد اختفيا. كل ما يذكره الوزير، كما جاء في الصحيفة، أنه أخرج هاتفه الجديد للاتصال بسيارة الأجرة أثناء سيره خارج محطة يوستون.
الوزير الذي لا يستعين بعناصر من الشرطة أو بحراس شخصيين وضعوا لخدمته وخدمة عائلته لتأمين وحماية تنقلاتهم، عبر عن ألمه قائلا: "نعم غضبت واستأت كثيرا، لكنني محظوظ لأنني لم أتعرض للطعن أو الضرب مثل العديد من الضحايا الآخرين الذين يقعون فريسة لهؤلاء المجرمين الأشرار".
حادثة ساجد تأتي بعد عدة حوادث مماثلة تعرض لها الكثير من المواطنين والزائرين، كانت أحدثها واقعة الممثل الكوميدي البريطاني مايكل ماكنتاير، عندما قام لص على دراجة نارية بتحطيم زجاج سيارته الرانج روفر قبل أن يسلبه ساعة رولكس اليدوية من معصمه ويختفي كالبرق.
تلاها وفي الأسبوع نفسه هجوم وحشي تعرض له سفير بريطانيا السابق لدى الولايات المتحدة، السير كريستوفر ماير، أثناء خروجه من محطة فيكتوريا للقطارات في الساعة 3.30 عصرا، خلّف إصابات وجروحاً دامية في يده ووجهه.
ويبدو أن عاصمة الأحلام لندن أو "المدينة الشاملة"، التي ما إن تخرج من تحد حتى تخوض في آخر، أصبحت في حاجة ماسة لشخص شارلوك هولمز جديد ورفاقه الأطفال اليتامى في جمعية "ريجنت ستريت ريغولارز غروب" من الأحداث المشردين لمساعدة وزير الداخلية وعمدة المدينة، صديق خان، في القضاء على عصابات الملثمين من راكبي الدراجات النارية أو الدراجات السوداء التي أصبحت تبث الرعب في قلوب ساكني المدينة.
لكن وبالرغم من أن ظاهرة النشل أو "البيك بوكيت" لا تزال تشكل نسبة ليست بالخطيرة مقارنة ببعض العواصم الأوروبية المجاورة، إلا أن البريطانيين الذين اعتادوا التجول بحرية في أي وقت وفي أي مكان دون خوف من فقدان ما تحويه جيوبهم أو ما تحمله أيديهم، بدأ القلق يتسرب لقلوب البعض منهم في محاولة لتغيير صورة المدينة التي لا تهاب التعددية ولا الاختلاط.
وقالت زوجة السفير السابق، البارونة كاثرين إلمز، في مقابلة مع "العربي الجديد": "إن ما تعرض له زوجي غير ضروري، نعم أنا غاضبة جدا وله. هناك خلل ما. لندن مدينة جميلة ومذهلة وآمنة، لا يجوز أن نبدأ بالشعور بالقلق أو التفكير في نسبة الأمن إذا رغبنا بالمشي في الشوارع في الساعة الثالثة مساءً". وأضافت: "إن ارتفاع مستويات العنف في لندن جعل الناس خائفين جدا من الخروج في المدينة حتى نهارا. علينا جميعا، وخاصة مسؤولي الأمن، أن ينقذوا المدينة من العنف والجريمة، والوقوف أمام هذه الظاهرة. لا يجب أن يتعرض أحد للخطر في لندن. لقد ناقشنا هذا في مجلس اللوردات، وما زال أمامنا عمل الكثير. لن نسلم مدينتنا العظيمة للأشرار".
وتتصاعد المخاوف جراء زيادة الجرائم في العاصمة. ووفق ما قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تم التعامل حكوميا مع 7 في المائة من حالات السرقة في لندن فقط بين إبريل/ نيسان عام 2017 وعام 2018. وتعاني لندن من ارتفاع معدلات الجريمة بشكل كبير، خاصة من عصابات الدراجات النارية، الذين يقومون بخطف الهواتف والحقائب من المشاة معتمدين على التهديد بالأسلحة البيضاء أو حتى النارية أحيانا. وارتفعت معدلات هذا النوع من الجرائم من 827 جريمة في 2012 إلى أكثر من 23 ألف حالة سرقة واعتداء العام الماضي، بحسب وسائل الإعلام البريطانية.
وقالت مديرة أحد مراكز التجميل في وسط لندن، ساندرا كاميرون، لـ"العربي الجديد": "لم أعد أعرف مدينتي، فبالرغم من صخبها لم أحس يوما بالخوف الذي أصبح ينتابني هذه الأيام. أنا شخصيا لم أتعرض لأي أذى، لكن إحدى مساعداتي تعرضت للاعتداء من أحد أولئك اللصوص، خلّف ذلك تغيّرا سلبيا في شخصيتها".
هذه الأحداث لا تشكل تحدياً جلياً لوزير الداخلية فقط، بل تحديا شرسا أمام عمدة لندن، العمالي صديق خان، الذي تحمل مسؤولية تلك الأحداث، واعدا بالعمل على محاربة عصابات الشوارع قريبا، لكنه أيضا حمل حكومة الحزب المحافظ جزءا كبيرا من المسؤولية عن تدهور الوضع في المدينة بسبب تسريح العديد من عناصر الأمن وتخفيض عدد أفراد شرطة المدينة الذي لا يتناسب مع تزايد التعداد السكاني فيها وزيادة عدد السائحين، متهما الحكومة بالاعتراف بوجود صلة بين خفض الموارد والجريمة العنيفة الخطيرة. قد لا يكون ذلك السبب الوحيد، كما أضاف، لكن هناك صلة بينهما.
من جانب آخر، يضع آخرون اللوم على وسائل الإعلام التي تضخم بعض الحقائق، حيث قال موظف شركة آيفون آبل، غاري أنديرسن، لـ"العربي الجديد": "ولدت في هذه المدينة وعشت فيها، ولم أشعر أبدا بالقلق أو الخوف. نعم علينا توخي الحذر والابتعاد عن المخاطر، لكنني لم أشعر يوما بأن حياتي في خطر إذا ما تجولت في منتصف الليل وحيدا. في لندن فقط (كما قال)، تجد فتاة نائمة في عربة قطار بعد الساعة الثانية عشرة ليلا ذاهبا بها لوجهتها من دون أن يزعجها أحد، وهذا لا يحدث إلا إذا كانت تشعر بالأمان".