لقاء حاسم لماي بماكرون بشأن بريكست وإقناعه بجدوى خطة تشيكرز

03 اغسطس 2018
ماكرون لا يملك أوراقا كثيرة للتفاوض مع الجارة الكبيرة(Getty)
+ الخط -
تلتقي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقرّ إجازته الصيفية جنوب فرنسا، وهو ما يدل على متانة العلاقة بين الزعيمين، وأيضا على حرج اللحظة بالنسبة للمسؤولة البريطانية، التي لا تملك سوى أشهر قليلة من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن خروجا أقل تكلفة للبريطانيين من الاتحاد الأوروبي، وإلا فإن بريطانيا العظمى ستجد نفسها خارج الاتحاد الأوروبي من دون أي خطة حقيقية.

ويأتي اجتماع ماي بماكرون للتباحث حول مصير بريكست، وسط حملة دبلوماسية مكثفة تشنها بريطانيا لإقناع زعماء دول الاتحاد الأوروبي بخطة تشيكرز.

وتتزامن هذه الزيارة مع رسالة بعث بها رئيس الوفد الأوروبي المفاوض ميشيل بارنييه تم نشرها في 20 صحيفة عبر القارة الأوروبية، يعبر فيها عن استعداده "لتحسين نص" الطروحات الأوروبية لخطة المساندة التي تهدف إلى تجنب الحدود الصلبة في أيرلندا الشمالية، في حال فشل المفاوضات الحالية في الوصول إلى اتفاق قبل موعد بريكست.

وفي بادرة غير مسبوقة من قبل الدبلوماسي الأوروبي، عبر بارنييه عن استعداد الاتحاد الأوروبي لعقد علاقة "غير مسبوقة في مداها وعمقها" مع بريطانيا، وهو ما تراه الأخيرة على أنه بداية لين في الموقف الأوروبي تجاه خطة تشيكرز، وأن بروكسل قد توافق في نهاية المطاف على اتفاقية خاصة ببريطانيا خارج الأطر الموجودة حالياً.

 إلا أن بارنييه أكد في رسالته على أن المقترحات البريطانية ستقوض السوق الأوروبية المشتركة.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلت من أجل التقريب بين وجهات نظر الطرفين، البريطاني والأوروبي، إلا أنّ الكثير من الصعوبات لا تزال ماثلة، ومن بينها المعضلة الأيرلندية وأيضا الموقف من محكمة العدل الأوروبية.

وفيما يخص القضية الأولى، لم يُخفِ ميشيل بارنييه تصميم الاتحاد الأوروبي على "الحرص على ألا يخلق البريكسيت حدودا قاسية بين جمهورية أيرلندا وبين أيرلندا الشمالية"، مشدّدًا على وجوب الحفاظ على "اتفاق الجمعة العظيمة، الذي أحضر السلام والاستقرار في أيرلندا الشمالية".

إقناع ماكرون بجدوى خطة تشيكرز

ويعقد الدبلوماسيون البريطانيون آمالهم على تمكن رئيسة الوزراء من إقناع الرئيس الفرنسي بجدوى خطة تشيكرز واتباع موقف تفاوضي أكثر ليونة، وخاصة أن فرنسا ترى في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لها لتشجع الخدمات المالية للانتقال من لندن إلى باريس. ولذلك يسود الاعتقاد بين السياسيين البريطانيين بأهمية اللقاء بين الزعيمين اليوم، حيث يمكن له أن يحل عقدة البريكست أو يقضي على هذه الآمال.

فقد نقلت صحيفة "ذا غارديان" عن مصدر حكومي بريطاني قوله "يعترض الفرنسيون على كل شيء، أكثر من أي طرف آخر، وهم أكثر الأطراف صعوبة، ولذلك إن تمكنت ماي من تحقيق تقدم معه (ماكرون) فيمكن لذلك أن يحمل تأثيراً إيجابياً كبيراً على المفاوضات."

وستكون ماي أول زعيم أجنبي يلتقي ماكرون في مقر إقامته الصيفية في جنوب فرنسا، وستكون هذه المباحثات الأولى بين الطرفين منذ إقرار خطة تشيكرز.

وعلى الرغم من أن الجانب الفرنسي لم يرفض المقترحات البريطانية كلية، لا يزال الفرنسيون يتحفظون على الكثير من جوانب الخطة، وخاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني، وبرنامج غاليليو الفضائي، والخدمات المالية.

وكانت الحكومة البريطانية قد كثفت زياراتها للجانب الفرنسي، حيث استقبلت باريس كلاً من وزير الأعمال غريغ كلارك، ووزير الخارجية جيريمي هانت، ووزير بريكست، دومينيك راب، الذين التقوا بنظرائهم الفرنسيين الأسبوع الماضي، بهدف تليين الموقف الفرنسي.

وتعتقد بريطانيا بأن حل المعضلة الفرنسية سيسهل من سير المفاوضات، حيث إن ألمانيا أكثر انفتاحاً على تليين المقاربة الأوروبية من المفاوضات. فقد كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد منحت بارنييه الضوء الأخضر للتوصل إلى اتفاق مع بريطانيا بعد لقائها مع ماي الشهر الماضي، قبل يوم من اجتماع تشيكرز.

إلا أن المستشارة الألمانية لديها ما يشغلها على الصعيد الداخلي. كما يعتقد الجانب البريطاني بوجود دول أوروبية أخرى في المعسكر الألماني، وعلى رأسها هولندا.

وتعد خطة ماي خطة مهجنة تشمل عدة عناصر من الوضع الحالي مع الاتحاد الأوروبي، حيث تضم حربة تنقل البضائع، بينما تستثنيها للخدمات والأفراد. وبينما كان المفاوضون الأوروبيون قد عبروا عن رفضهم القاطع لهذه المبادرة التي يعتقدون أنها ستؤدي إلى تفكك السوق الأوروبية المشتركة، تحاول ماي الالتفاف على المفوضية الأوروبية والحديث مباشرة مع زعماء دول الاتحاد بهدف الضغط على بارنييه لتليين موقفه.

غير أن الرئيس الفرنسي لا يملك أوراقا كثيرة للتفاوض أو التنازل مع الجارة الكبيرة، وإن كان يملك بعضها. وهو ما تؤكده دوائر عديدة، ترى في ميشيل بارنييه المفاوض الوحيد والأوحد للاتحاد الأوروبي في ملف البريكست، رغم أن تيريزا ماي، تريد الالتفاف على هذا المفاوض الشرس، والاتصال، مباشرة، بالقادة الأوروبيين، في أفق إقناعهم بالتوصل إلى حلٍّ وسَط قبل القمة الأوروبية في سالسبورغ في 20 أيلول/سبتمبر القادم.     

ولكن هذه المحاولات البريطانية من أجل إحداث شرخ بين الدول الأوروبية، لن تنجح، باعتراف السفير البريطاني السابق في باريس، لورد ريكيتس، الذي يرى أن "على بريطانيا العظمى أن تقبل فكرة أن عليها هي أن تقوم بالمجهودات الأخيرة، بدل أن تحاول إغراء مسؤولين أوروبيين لا يريدون أن يشقوا صفوفهم“.   

ويعرف الجميع، أوروبيين وبريطانيين، أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، سيشكل "خطأ جيو-استراتيجيا"، باعتراف جيريمي هونت، وزير الشؤون الخارجية البريطاني الجديد، الذي لا يتوقف، في زياراته الأوروبية وتصريحاته، عن التحذير من "مخاطر حقيقية لحدوث طلاق صاخب".

ولا يخفي هذا المسؤول البريطاني، ومسؤولون بريطانيون آخَرون، أملهم في التوصل إلى "شراكَة وثيقة وخاصة مع الاتحاد الأوروبي"، وهو ما يعني أن "البريطانيين يريدون أن يظلوا مندمجين في الاقتصاد الأوروبي"، لأنّ "مستقبل بريطانيا العظمى سيكون أفضل إذا ظلت مندمجة في الاقتصاد الأوروبي".

وفي نوع من التحذير المبطن من أجل القبول ببعض الشروط البريطانية، يرى وزير الخارجية الجديد، أنه "من المستحيل الفصل بين الاقتصادي والسياسي والعسكري. كل هذه العوامل تشتغل مجتمعة، وإنّ أي تشقق في الجانب الاقتصادي مع بريطانيا العظمى سيجعل من الصعب التعاون في مجالات أخرى".

وحذّر الوزير البريطاني من مستجدات خطيرة، منها روسيا، الانتهازية والجريحة، وحذّر، أيضاً، من منظور تجاوز الصين للولايات المتحدة، باعتبارها ستكون أول قوة اقتصادية في الثلاثين سنة القادمة. لكنه هوَّنَ من أهمية التنافس بين بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، مُعتبراً إياه "تنافسا بين أشقاء في عائلة واحدة".  


الوصول إلى قضية مشتركة

وستركّز تيريزا ماي في لقائها مع الرئيس الفرنسي، ليلة الجمعة ونهاية هذا الأسبوع، بعد ملف البريكست، على الدور البريطاني العسكري الكبير، باعتبار الجيش البريطاني، هو الجيش الأوروبي الوحيد، إلى جانب الجيش الفرنسي، القادر على إنجاز مهمّات قتالية في العديد من الأماكن خارج أوروبا. وهو ما يعني كذلك أن ثمة نية مشتركة في تعاون أوثق بين الجيشين، سواء في ليبيا أو سورية وإيران وغيرها. أي السير في اتجاه تقاسم نفس التصور من أجل الوصول إلى "قضية مشتركة".

ولن تغيب عن محادثات إيمانويل ماكرون ورئيسة الحكومة البريطانية، قضية الانخراط البريطاني، إلى جانب دول أوروبية وغربية أخرى، في مالي، لتخفيف الضغط على التواجد العسكري الفرنسي المُرهق والمُكلف والذي لا يرى أحدٌ النورَ في نهاية أفقه، بعدُ.

وهذا الانخراط البريطاني مُهمٌّ ومُرحَّبٌ به، ويضمّ وحدة من القوات البريطانية الخاصة، مائة رجل، إضافة إلى ثلاث طائرات مروحية من طراز شينوك. كما أنه تواجد له ثمنٌ، وهو ما لن تتوانى تيريزا ماي، عن المطالبة به، خصوصا أن المفاوض الأوروبي ميشيل بارنييه فرنسيٌّ.        

المفاوضات تبدو صعبة وشاقة. وسيعود الطرفان للتفاوض يوم 13 أغسطس/آب، ولا يزال اتفاق حقيقي بين الطرفين بعيد المنال، وفق معطيات اليوم، وإن كان من مصلحة الجميع إنهاء هذا المشكل الشائك.

ولا شكّ أن الجانب البريطاني سيستثمر الجانب الدفاعي والعسكري، وهو جانب حسّاس، بسبب صعود روسيا ومواقف ترامب المتقلبة، لضمان الأمن الأوروبي، إلى آخر دقيقة في المفاوضات لتخفيف كلفة الخروج من الاتحاد الأوروبي، دون الأخذ بنصيحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتيريزا ماي القاضية باللجوء إلى القضاء.

المساهمون