كان للقاء الثنائي الذي جمع الرئيس الإيراني حسن روحاني برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، يوم أمس الأربعاء، صدى بالغ في الداخل الإيراني، ولا سيما أنه اللقاء الأول على هذا المستوى بين مسؤولين من البلدين بعد قطيعة دامت 36 عاما.
وازداد التوتر بين البلدين بعد اقتحام إيرانيين للسفارة البريطانية عام 2011، وهو ما أدى لإغلاقها، بعد توجه هؤلاء المحتجين المنتمين إلى قوات التعبئة أو (البسيج) لدعم قرار مجلس الشورى الإسلامي الذي قرر خفض مستوى العلاقات مع بريطانيا، والذي أدى لطرد السفير وخفض مستوى التمثيل الديبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال، وهذا بعد قطع بريطانيا لعلاقاتها مع المصارف الإيرانية واتهامها بدعم البرنامج النووي الإيراني.
ومنذ تولي روحاني لكرسي الرئاسة العام الماضي، تحاول الحكومة الإيرانية تحسين العلاقات مع لندن، إذ اتفق البلدان على إعادة فتح السفارات بشكل رسمي في المستقبل القريب، كما أجرى روحاني اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء البريطاني العام الماضي كذلك.
ونقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية عن المكتب الرئاسي في طهران، أن روحاني أبلغ كاميرون خلال اللقاء أن إيران تسعى لعلاقات بناءة تقوم على الاحترام المتبادل مع دول العالم، وأنها ترغب بتطوير علاقاتها مع بريطانيا.
كما أضاف روحاني أن بلاده تسعى للتوصل لاتفاق نووي مع دول 5+1، وهذا لن يتحقق إلا بحل ديبلوماسي بعيداً عن سياسة العقوبات والضغط، كون برنامجها النووي سلمياً وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تثبت هذا الأمر، حسب تعبيره.
وعن الأوضاع في المنطقة، قال روحاني إنه يجب القضاء على ظاهرة الإرهاب والتطرف من جذورها وهذا لا يتم بالتسليح والتمويل، منوها أنه على جميع الأطراف أن يدركوا أن انتشار الإرهاب يهدد الجميع.
ونقلت وكالة أنباء "فارس" عن كاميرون قوله إن الفرصة مناسبة لترميم العلاقات ولا سيما أن التاريخ المشترك بينهما طويل ومن الممكن التعاون اقتصادياً وعلمياً، مشيراً إلى أن رغبة إيران بحل المسألة النووية أمر إيجابي.
واعتبر المستشار السياسي للرئيس الإيراني حميد أبو طالبي أن هذا اللقاء لن يؤثر إيجابا على العلاقات الثنائية مع لندن وحسب، بل إنه سينعكس على العلاقات الإيرانية الأوروبية.
ونقلت وكالة أنباء ايسنا الإيرانية عن "أبو طالبي" قوله إن إيران تسعى لاتخاذ خطوات جدية لبناء جسر من الثقة مع الآخرين، معتبراً أن الأمر سيؤثر أيضا على محادثات إيران النووية، ومشيراً إلى أن بلاده تعتبر أن المعطل الأساس لأي اتفاق تتحمله الولايات المتحدة الأميركية، عن طريق فرضها المستمر للعقوبات، واتهاماتها المستمرة لإيران.
ومن المتوقع صدور ردات فعل شديدة معارضة ومنتقدة لهذا اللقاء من قبل بعض المحافظين المتشددين في إيران، كما حدث العام الماضي بعد اجراء روحاني لاتصال هاتفي مع نظيره الأميركي باراك أوباما، فهؤلاء لا ينسون أن بريطانيا تبقى عدواً تاريخياً للبلاد منذ قرون، فهي التي كانت تقتسم الثروات الإيرانية وتوالي ملوك الحكم الشاهنشاهي ضد الشعب الإيراني لسنوات طويلة سبقت الثورة الإسلامية عام 1979.
ولكن كان للبعض في إيران وجهة نظر معتدلة، فقد وصف النائب في البرلمان الإيراني علي مطهري، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، اللقاء بالمفيد والجيد.
وينتظر الجميع إعادة فتح السفارة البريطانية في إيران، وقال رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين إيران وبريطانيا عباس علي منصوري، إن تطوير العلاقات وتعيين سفير في وقت لاحق أمر لا يحتاج لموافقة البرلمان الإيراني، بحال رأت الحكومة أن من مصلحتها رفع مستوى التمثيل الديبلوماسي.
وأشار منصوري، وهو أيضا عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إلى أن تطوير العلاقات مع الأخرين يبقى أمرا مطلوبا ما دام لن يتجاوز الخطوط الحمر التي تحدث عنها في وقت سابق المرشد الأعلى علي خامنئي، وما دام يصب لمصلحة البلاد، مشيرا إلى أن المعادلة مختلفة مع واشنطن.
في ساحة التحليل يقول الخبراء الإيرانيون إن لقاء على هذا المستوى سيسجل في التاريخ، كونه قد يشكل انعطافة في شكل العلاقات الإيرانية البريطانية.
كما اعتبر كثيرون أنه سيؤثر إيجاباً على طاولة المباحثات النووية التي تنعقد أيضا في نيويورك بين إيران والسداسية الدولية تزامناً واجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
من جهته، يسعى روحاني الذي يزور نيويورك لعقد لقاءات ثنائية مع رؤساء ومسؤولين كثر، إذ إنه يحمل، كما قال فريقه الحكومي، رسالة مفادها بأن إيران تعمل على تطوير خطاب سياستها الخارجية مع الآخرين، إلا أن روحاني أعلن في وقت سابق أنه لا يوجد أي برنامج للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما.