12 أكتوبر 2024
للسوريين وطن ومن حقهم العودة إليه
تفاقمت كارثة اللجوء السوري مع سريان التدخل الروسي في سورية. يتم اللجوء، لأن المدنيين يعرفون، بتجربتهم الحسّية، أنهم مستهدفون، بل على رأس قائمة الأهداف. على خلاف الحروب والصراعات الأخرى التي تتقيد بحد أدنى من أخلاقيات الحرب وقوانينها، فإن الحرب في سورية مضادّة للأخلاق. اختار الروس في تدخلهم استكمال ما بدأه النظام، ولم يغيّروا شيئاً في نهج هذا النظام المعادي لشعبه، بل تساوقوا مع هذا النهج، وحافظوا على إيقاعه: بث الرعب في صفوف المدنيين، وتكبيدهم خسائر في الأرواح والممتلكات، من أجل إثارة ذعر عام، والضغط على مقاتلي المعارضة. المدنيون أهداف سهلة، لكن العوائد السياسية لاستهدافهم كبيرة وفق التحالف الإيراني الروسي الأسدي. من هذه العوائد، قذف ملايين السوريين غير المرغوب بهم نحو تركيا بالدرجة الأولى ثم الأردن. في الأيام الأخيرة، مع الضغط على حلب وريفها، من النظام والطائرات الروسية، فإن عشرات الآلاف يتدفقون نحو الحدود التركية.
هذا التطور المأساوي الذي يُضاف إلى مئات الفصول السابقة المشابهة، ومنه مقتل مئات المدنيين نتيجة القصف الروسي، لا يستوقف الوزير سيرغي لافروف، في تصريحاته اليومية، فأن يدفع المدنيون ثمناً باهظاً ومروّعاً نتيجة التدخل الروسي فذلك، كما يبدو، تفصيل تافه لا يستحق التوقف عنده، فالموازين العسكرية على الأرض، وفي الأجواء السورية، وحدها التي تستحق الاهتمام في موسكو، فضلاً عن أن الضغط على تركيا بمزيد من اللاجئين أمر محبذ ومرغوب ضد الخصم الجديد لروسيا. يجب أن تستضيف تركيا غالبية الشعب السوري الذين يزعج وجودهم النظام، والنظام غير مسؤول عن أزمة اللاجئين. هذا مغزى عشرات التصريحات الدولية حول مسألة اللاجئين. تضغط ألمانيا على تركيا من أجل استقبال مزيد من اللاجئين، وعدم التفكير بإغلاق الحدود. دول أوروبية أخرى تتخذ الموقف نفسه. والأردن مدعو لاستقبال مزيد من اللاجئين وبلا توقف، وخصوصاً بعد أن نال حصته في مؤتمر المانحين، علماً أن المطلوب لوضع أزمة التهجير على طريق الحل أمر واحد هو حرمان النظام وحلفائه من تهجير مزيد من السوريين، وذلك بالضغط الملموس على هذا التحالف الذي تتعرّض مكوناته لعقوبات دولية متفاوتة، ويمكن التلويح بفرض المزيد منها. تراخي الإرادة الدولية، وخصوصاً لدى واشنطن حيال الأزمة السورية شجّع حلفاء النظام على مضاعفة حربهم ضد المدنيين وضد المعارضة الوطنية، وتم ويتم إغلاق الأبواب أمام الحل السياسي، وفتح باب وحيد، نحو الحل العسكري.
وقد قال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، في لندن، قبل أيام، إن انتقالاً سياسياً
وفق المرجعية الدولية يضمن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. وحجاب في هذا يُشخّص الواقع كما هو، فقد أدت الحرب إلى تهجير الناس، ومن الطبيعي حين تتوقف الحرب، وتزول أسباب اندلاعها أن يعرف المُهجّرون طريق العودة إلى بيوتهم، حتى لو لم يبق لبعضهم بيوت. والحل السياسي، أو الانتقال السياسي، يتحقّق بتجديد الضغوط الملموسة على النظام وحلفائه، ووقف التدخل الروسي والإيراني. استمرار الحرب يعني تهجير مزيد من المدنيين والفتك بمزيد منهم. هذه التطورات حين تحدث فإنها لا تُقلق طهران أو موسكو، فالعاصمتان تنشغلان بأمور جدية استراتيجية عظيمة الشأن، وليس بأمورٍ جانبيةٍ عارضة، كحق الشعب السوري في الحياة مثلا!. وقد ثبت، على مدى سنوات الحرب، أنهما يقومان، بكل ما يسعهما القيام به، بدون أي ضابط أو وازع من أي نوع، من أجل تمكين النظام، حتى لو أدى ذلك، وقد أدى.. إلى إبادة الناس واقتلاعهم بصورة منهجية.
آن الأوان لإعادة مشكلة اللاجئين السوريين إلى سياقها الأصلي، بأن يتوقف التغاضي الدولي عن مسؤولية النظام المتجددة في توليد هذه الكارثة. وبدلاً من لوم هذه الدولة العربية أو تلك، وبدلاً من لوم دولة مجاورة، أو أوروبية، على سياساتها تجاه اللاجئين، فإنه، من باب أولى، لوم النظام الذي دفع شعبه إلى اللجوء، ودعوة هذا النظام بصورةٍ صريحةٍ للكف عن اقتلاع شعبه وعن تدمير أسس حياته.
الحاصل منذ اشتداد موجة التهجير واللجوء أن المجتمع الدولي، ومن ضمنه الأمم المتحدة، يتعامل مع هذه المأساة على أنها كارثة طبيعية، كما هو الحال مع مشرّدي الزلازل، فيتم التعامل مع النتائج، من دون التوقف عند الأسباب، فليس للزلازل أسباب يمكن وقفها!. إخلاء مسؤولية النظام على هذا النحو حفّزه على اعتماد التهجير سياسة ثابتة له، وها إن موسكو جاءت لتصادق على هذه السياسة، وتدفعها إلى الأمام، حيث التزمت موسكو النهج "الحربي" نفسه للنظام، في وضع المدنيين والمنشآت المدنية، وخصوصاً المستشفيات ضمن الأهداف. وذلك كما يبدو "من أجل إضعاف الجبهة الداخلية وتدمير الحاضنة الشعبية للعدو". وفيما تتسبب موسكو، هذه الأيام، في مفاقمة المشكلة، عبر الحرب على حلب ومحيطها، فإن الأنظار تتجه، بصورة روتينية، إلى تركيا لتشجيعها على استقبال المزيد (زهاء 2,7 مليون سوري تستضيفهم تركيا على أراضيها) من دون مخاطبة موسكو باللهجة المناسبة بأنه ليس من حقّها شن حرب على الشعب السوري المنكوب، وأنها تتحمل، بصورة مباشرة، مسؤولية سقوط مئات الضحايا المدنيين.
أجل، هناك جانب إنساني وإغاثي عاجل لمشكلة اللاجئين يستحق كل اهتمام ومتابعة، من الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة، غير أن استغراق السياسيين بالجانب الإنساني فقط أمر يثير الدهشة، فمشكلة اللاجئين السوريين ذات طبيعة سياسية، وهي قابلة للحل بالضغط الجدي المنظم والمتصاعد على النظام وحلفائه، ليس فقط من أجل وقف قذف المدنيين إلى خارج الحدود، بل من أجل تأمين عودة عاجلة لهؤلاء، فللسوريين وطنٌ، ومن حقهم أن يعودوا إليه، وأن ينعموا بحياةٍ كريمةٍ آمنة في ربوعه.
هذا التطور المأساوي الذي يُضاف إلى مئات الفصول السابقة المشابهة، ومنه مقتل مئات المدنيين نتيجة القصف الروسي، لا يستوقف الوزير سيرغي لافروف، في تصريحاته اليومية، فأن يدفع المدنيون ثمناً باهظاً ومروّعاً نتيجة التدخل الروسي فذلك، كما يبدو، تفصيل تافه لا يستحق التوقف عنده، فالموازين العسكرية على الأرض، وفي الأجواء السورية، وحدها التي تستحق الاهتمام في موسكو، فضلاً عن أن الضغط على تركيا بمزيد من اللاجئين أمر محبذ ومرغوب ضد الخصم الجديد لروسيا. يجب أن تستضيف تركيا غالبية الشعب السوري الذين يزعج وجودهم النظام، والنظام غير مسؤول عن أزمة اللاجئين. هذا مغزى عشرات التصريحات الدولية حول مسألة اللاجئين. تضغط ألمانيا على تركيا من أجل استقبال مزيد من اللاجئين، وعدم التفكير بإغلاق الحدود. دول أوروبية أخرى تتخذ الموقف نفسه. والأردن مدعو لاستقبال مزيد من اللاجئين وبلا توقف، وخصوصاً بعد أن نال حصته في مؤتمر المانحين، علماً أن المطلوب لوضع أزمة التهجير على طريق الحل أمر واحد هو حرمان النظام وحلفائه من تهجير مزيد من السوريين، وذلك بالضغط الملموس على هذا التحالف الذي تتعرّض مكوناته لعقوبات دولية متفاوتة، ويمكن التلويح بفرض المزيد منها. تراخي الإرادة الدولية، وخصوصاً لدى واشنطن حيال الأزمة السورية شجّع حلفاء النظام على مضاعفة حربهم ضد المدنيين وضد المعارضة الوطنية، وتم ويتم إغلاق الأبواب أمام الحل السياسي، وفتح باب وحيد، نحو الحل العسكري.
وقد قال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، في لندن، قبل أيام، إن انتقالاً سياسياً
آن الأوان لإعادة مشكلة اللاجئين السوريين إلى سياقها الأصلي، بأن يتوقف التغاضي الدولي عن مسؤولية النظام المتجددة في توليد هذه الكارثة. وبدلاً من لوم هذه الدولة العربية أو تلك، وبدلاً من لوم دولة مجاورة، أو أوروبية، على سياساتها تجاه اللاجئين، فإنه، من باب أولى، لوم النظام الذي دفع شعبه إلى اللجوء، ودعوة هذا النظام بصورةٍ صريحةٍ للكف عن اقتلاع شعبه وعن تدمير أسس حياته.
الحاصل منذ اشتداد موجة التهجير واللجوء أن المجتمع الدولي، ومن ضمنه الأمم المتحدة، يتعامل مع هذه المأساة على أنها كارثة طبيعية، كما هو الحال مع مشرّدي الزلازل، فيتم التعامل مع النتائج، من دون التوقف عند الأسباب، فليس للزلازل أسباب يمكن وقفها!. إخلاء مسؤولية النظام على هذا النحو حفّزه على اعتماد التهجير سياسة ثابتة له، وها إن موسكو جاءت لتصادق على هذه السياسة، وتدفعها إلى الأمام، حيث التزمت موسكو النهج "الحربي" نفسه للنظام، في وضع المدنيين والمنشآت المدنية، وخصوصاً المستشفيات ضمن الأهداف. وذلك كما يبدو "من أجل إضعاف الجبهة الداخلية وتدمير الحاضنة الشعبية للعدو". وفيما تتسبب موسكو، هذه الأيام، في مفاقمة المشكلة، عبر الحرب على حلب ومحيطها، فإن الأنظار تتجه، بصورة روتينية، إلى تركيا لتشجيعها على استقبال المزيد (زهاء 2,7 مليون سوري تستضيفهم تركيا على أراضيها) من دون مخاطبة موسكو باللهجة المناسبة بأنه ليس من حقّها شن حرب على الشعب السوري المنكوب، وأنها تتحمل، بصورة مباشرة، مسؤولية سقوط مئات الضحايا المدنيين.
أجل، هناك جانب إنساني وإغاثي عاجل لمشكلة اللاجئين يستحق كل اهتمام ومتابعة، من الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة، غير أن استغراق السياسيين بالجانب الإنساني فقط أمر يثير الدهشة، فمشكلة اللاجئين السوريين ذات طبيعة سياسية، وهي قابلة للحل بالضغط الجدي المنظم والمتصاعد على النظام وحلفائه، ليس فقط من أجل وقف قذف المدنيين إلى خارج الحدود، بل من أجل تأمين عودة عاجلة لهؤلاء، فللسوريين وطنٌ، ومن حقهم أن يعودوا إليه، وأن ينعموا بحياةٍ كريمةٍ آمنة في ربوعه.