لماذا لا تسير الأمور كما في أفلام الكرتون؟
إذن فإن أول ما يجول بخاطرنا أمام كل هذا الخراب هو أن نسأل لماذا؟ هل أسأنا اختيار البذور أم قصّرنا في سقايتها؟ أم أننا قد زرعناها في غير موسمها، أو ربما في غير تربتها. الأسباب كثيرة والجني واحد، إنه الشر.
إن الطريقة الممنهجة التي يسير وفقها الشر تؤكد أنه لم يأتِ من العدم، إنه الكره الذي زرعناه على مدار عشرات السنين الماضية، إنها السياسة والثقافة واللون والجنس والدين؛ إنها كل الاختلافات التي ادعينا طويلًا أنها لا تعنينا وأعمينا أبصارنا عنها حتى بتنا لا نبصر سواها.
لماذا نفترض دائماً أننا أخيار؟ لماذا لا يخطر في بال أحدنا أنه ربما يمثل الشر بشكل أو بآخر أو يمثل جزءًا من الشر على الأقل؟ لماذا نفترض أنه يجب تصنيفنا دائمًا في كفة الخير؟ هل يكفي أن نعطي محتاجًا صدقة أو أن نمن على أحدهم بابتسامة نحن في واقع الأمر أحوج إليهم منها؟ إننا نعزي أنفسنا بصغائر الأمور الحسنة لنثبت أننا على جادة الصواب. هل يكفي أن نتعاطف مع سالي ضد الآنسة منشن أو لافينيا؟ أو أن نقف مع أبطال الديجتال في حربهم الطويلة للقضاء على الشر في العالم الرقمي؟ لكنه ليس عالمًا رقميًا! كما أن الحياة ليست مسلسلًا كارتونيًا يُعرض على سبيستون، والكون ليس مقسمًا إلى أخيار وأشرار، إن العالم في الواقع هو نحن. إنه أولئك الواقفون على الأعراف، والذين تميل بهم الرياح يمنةً ويسرةً، الذين لهم عثراتهم وهفواتهم والذين عرفوا الطريق أحياناً وأضاعوه في أحيان أخرى. إنه نحن بحبنا وكرهنا وليننا وجشعنا وعدلنا وظلمنا.
الأمر نسبي! ربما يصعب عليك الأمر قليلًا ولكنك إن تأملته مليًا ترى أن الشر لم يبدأ بصورته التي نراها إنما هو محصلة شرور كل واحد منا على حدة. لا شك أن الكون بحاجة لوجود الشر، وأنه، أي الشر، إنما هو طرف في معادلة الحياة ووجوده ضروري لتحقيق توازن الكون، فبدونه لن يكون الخير؛ وبدون الكراهية لن تكون المحبة وبدون النجاح لن يكون الفشل، وأن السعادة منبثقة بطريقة أو بأخرى من أحزان الآخرين لا مبنيةٌ عليها، لأن السعادة المبنية على تعاسة الآخرين ليست إلا صورةً من صور الشر كما يقولون. فحصولك على الترتيب الأول يعني أن صديقك سيكون في مرتبةٍ متأخرة، كما أن قبولك في وظيفة ما يعني رفض كل أولئك الذين تقدموا لها، هكذا تسير الأمور وبهذا قد يكون الشر الذي أصاب غيرك نتيجة حتمية للخير الذي أصابك، لكن عليك ألا تسرف في تمني الشر للآخرين كي لا تفقد نفسك في خضم كل ما يحدث. ولكي تكون من الأخيار عليك ألا تقف في وجه العدالة التي تضمن سير الأمور كما يجب أن تكون لا وفق رغباتنا وأهوائنا. إن للعدالة مقاييس أخرى نجهلها ولا نجرؤ على السؤال عن حيثياتها ولسنا بصدد الحديث عنها، ولكن الحديث عن الشر ينتهي بشكل أو بآخر بالحديث عن العدالة التي هي من علم الله ودلالات حكمته..