21 مايو 2022
لماذا لم ينته احتلال فلسطين في 2017؟
"عام 2017 هو عام إنهاء الاحتلال، وهذه ليست أمنيات، فالطاقات الفلسطينية الدبلوماسية والقانونية والشعبية خصصت لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية العام، وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، فقد بلغت من العمر 81 عامًا ولن أنهيها بتنازلٍ أو تخاذل أو بيع". بهذه الكلمات، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومقر الرئاسة في رام الله، أنهى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عام 2016.
لتحقيق ذلك، عملت السلطة الوطنية الفلسطينية على مدار عامٍ على تقديم طلبات لرفع مستوى العضوية في الأمم المتحدة، وعقد لقاءاتٍ ومؤتمرات دولية، مستخدمة بذلك مسار المجتمع الدولي حاضنة لأي تفاهماتٍ سياسية تعود بها إلى المفاوضات مع الإسرائيليين. وهذا ليس جديدا، لكنه تعزّز أخيرا، حتى أضحت الخطوات الدبلوماسية شرطًا للمضي في أي تحرّك سياسي خارجي، ينعكس بدوره على مسارات عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية في سبيل إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية.
بالترتيب الكرونولوجي، عوّلت السلطة الفلسطينية مطلع العام على مؤتمر باريس الدولي للسلام، ثم فتحت الباب لأول لقاءٍ مع مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، لعقد اتفاق سلامٍ تاريخي. ثم نسقت مواقفها وجهودها للمرحلة المقبلة مع ملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في منطقة البحر الميت في الأردن، وتلا ذلك حصولها على قرارين دوليين بخصوص القدس في منظمة الأمم المتحدة التربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتأكيد حل الدولتين في برلمان الاتحاد الأوروبي. وفي النصف الثاني من العام، اهتمت السلطة الفلسطينية بزيارة الرئيس ترامب، ومبعوثيه لعملية السلام في المنطقة، وقُبِلَت عضويتها في منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول). وبعده اصطدمت بضغوط أميركية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، قبل أن تتراجع الأخيرة عن القرار، وإقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يخفض المساعدات الأميركية (300 مليون دولار) وقرار الرئيس الأميركي، إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها.
تحظى الدبلوماسية بأهمية قصوى لدى البيت الداخلي للسلطة الفلسطينية، حتى باتت عنصرًا محوريًا على طريق "أيدولوجيا بناء الدولة" على حساب التحرّر، وهذا نوعٌ من الإمكانات السياسية، للحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم الإقليمي والدولي، والتنقل بين عواصم الدول العربية والدولية، ومحاولة الالتقاء بأطرافٍ سياسية، على اختلاف مصالحها مع السلطة الفلسطينية. فعليًا، ترى السلطة أنها حققت إنجازًا دبلوماسيًا بانتقالها إلى مرحلة "الدولة" منذ 2012، عندما حصلت صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، إلا أن ممارسات "الدولة الدبلوماسية"، والمحكومة بمعاهدات واتفاقات دولية عديدة، أكدت أنها خطوة رمزية أكثر من كونها مؤثرة. ورغمًا عن ذلك، أمعنت السلطة الفلسطينية في التعويل على العمل الدبلوماسي والقانون الدولي طريقا للحصول على الدولة.
يعود تفسير مظاهر صفة "الدولة الدبلوماسية" بنا إلى تناقضات الدبلوماسية الفلسطينية، كوقف التحرك إثر الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، المعطلة بقرارٍ من السلطة الفلسطينية، والتأخير في تقديم شكاوى للمحاكم الدولية بقضايا جرائم الحرب الإسرائيلية، وبناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري. ولهذا تبدو السلطة غير مستعدة للاستفادة من الإجراءات القانونية الدولية، أو أنها غير قادرة على تحمل أي تبعات لتقييد سلطتها على الأرض، وخفض قيمة المنح والمساعدات الدولية، أو حتى منع القيادة الفلسطينية من السفر خارج الضفة الغربية. ولأن السلطة الفلسطينية، تحت ستار أيدولوجيا بناء الدولة، باتت تعاني ضعفًا في شرعيتها، في ظل سيناريوهات التسوية المطروحة، فإنها لن تتمكّن من حل إشكالية الدولة. ولهذا، هي تخدع نفسها والفلسطينيين تحت ستارة "الدولة الدبلوماسية"، من أجل تثبيت سلطتها.
في نهاية العام الماضي، صوّت مجلس الأمن الدولي على قرارٍ بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، واعتبرته السلطة الفلسطينية إنجازًا دبلوماسيًا بكسب موقف الولايات المتحدة لامتناعها عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد إدانة ممارسات الاحتلال، إلا أن المؤشرات تفيد بأن إسرائيل في 2017 كثفت توسيع المستوطنات والوحدات السكنية في الضفة الغربية المحتلة، وبمعدلات تقارب التوسع الاستيطاني في العام 2016، التي سجلت معدلات أعلى بنسبة 40% مما كان عليه في 2015، التي تعد ثاني أعلى معدل نمو استيطاني منذ 2001.
لهذا، فإن استمرار الوضع القائم، أي اعتبار سلطة الحكم الذاتي نفسها "دولة"، تمارس مهامها الداخلية والخارجية وفق قرارات دولية، يشكل منفعةً رئيسية للمحتل، حيث يمكّنه ذلك التربح من فاتورة الاحتلال من دون مجابهة الاحتلال نفسه. وبالتالي، تبقى إسرائيل غير مهتمة بشكل حقيقي بالمسارات السياسية الدولية، في حال بقيت في إطار الوضع القائم، حتى لو كانت تلك القرارت والمعاهدات ملزمة دوليًا، فالأساس في القانون الدولي يكمن في المعاملة في المثل. وفي حال فشلت السلطة في حماية الاحتلال العسكري القائم، وتخلت فعليا عن التنسيق الأمني، تصبح سلطات الاحتلال تسعى إلى البحث عن تسوياتٍ أخرى، لها علاقة بتغيير صفة هذه السلطة، وطرح صيغ حل جديدة. وبهذا، بقصد أو بدونه، تصبح السلطة الفلسطينية عبر المسارات الدولية تساهم في إطالة أمد الاحتلال.
شكّل إعلان ترامب بشأن القدس صفعةً حقيقية للسلطة الفلسطينية ودبلوماسيتها ومشروعها السياسي، فالسلطة التي ترى في قرارت الأمم المتحدة والقانون الدولي أساسًا في حكم الفلسطينيين، أضحت، بعد القرار، غير قادرةٍ على حماية مشروعها ودولتها الدبلوماسية. ولهذا تسبّب إعلان ترامب في إرباكها على المستويين، الداخلي والخارجي. أميركيًا، جاء الإعلان بمثابة تعبير حقيقي عن انزياح الإدارة الأميركية باتجاه المعسكر اليميني في إدارة ترامب، وتعبيرًا عن استغلال الرغبة الجامحة لدى بعض الأنظمة العربية لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، خصوصًا أن ترامب يسعى إلى تحقيق أي نصر لدى الأوساط اليمينية، ينقذه من تراجع شعبيته الداخلية، بسبب التحقيقات الداخلية والمشكلات التي تعاني منها إدارته.
فلسطينيًا، أدرك الرئيس محمود عباس أن أزمة الفراغ في إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوجه الأميركي الجديد، وعدم قدرته على حماية المصالحة الفلسطينية من الانهيار بسبب الخلاف على قضايا الأمن وسلاح المقاومة في غزة، أضحى تهديدًا حقيقيًا له ولمشروعه السياسي بحل الدولتين. في المقابل، تكمن الأزمة في إصراره على أن الرد الفلسطيني على كل هذه الأزمات الداخلية يكون بالبحث عن رعاية جديدة للحل السياسي غير الولايات المتحدة.
بشأن القدس، تستطيع الولايات المتحدة الأميركية، وبالشراكة مع دول إقليمية، أن تمضي في مشروعها السياسي، وتفرض خياراتها على الفلسطينيين وعلى حلفائهم من الدول. ويبدو أنها استنتجت أن استمرار الاحتلال ليس عائقًا أمام الولوج في تسوية سياسية، تقوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك يعني أن المقاربة الخاصة بانتهاء دور أميركا وسيطا في الصراع غير ذات صلة بإنهاء الاحتلال، بل مرتبطة بانتهاء دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية. فضلًا عن ذلك، أدركت أن السلطة الفلسطينية وحدها غير قادرة في الدخول في تسوية سياسية
من دون ضغط من دول إقليمية. ولهذا، دعت بعض الدول العربية إلى أخذ زمام المبادرة في الضغط على السلطة الفلسطينية، من أجل إنهاء ملف المقاومة الفلسطينية، وبسط سيطرتها الأمنية في قطاع غزة. عمليًا، وبغض النظر عن مستقبل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، فإن إعلان ترامب يمكن اعتباره بمثابة استنتاجات عامة، مفادها بأن هذا الاحتلال عادي، يمكنه القيام بعلاقات مع دول العالم بشكل طبيعي.
في المقابل، ليست الدولة الدبلوماسية التي تصر عليها القيادة الفلسطينية وهمية بهذا الشكل، فهي قادرة على حماية الاحتلال، فالهاجس الأمني لإسرائيل أضحى غير مرتبطٍ بإنهاء الاحتلال، بل بتسوية العلاقات مع الدول العربية. ولتحقيق ذلك، تخصص السلطة قرابة مليار دولار من موازنتها السنوية للقطاع الأمني، في مقابل 200 مليون دولار لسفاراتها وموظفيها ذوي الرتب العالية. وعليه، فإن القرارات المرتبطة بتصويت الدول بشأن القضية الفلسطينية لا يمكن اعتبارها نجاحًا دبلوماسيًا لإنهاء الاحتلال، بل هي موقفٌ أخلاقيٌ للمجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ما يحصل مع الفلسطينيين أن حركة تحرر وطني، لم تنجز مشروعها التحرّري، تحولت لتصبح سلطةً بلا سلطة، تسعى إلى إنهاء الاحتلال وبناء دولتها، وترى في ظل فوضى خياراتها أن الدولة الدبلوماسية أوْلى من التحرّر. فعليًا ما لا تدركه السلطة الفلسطينية أنه لا حريّة بدون نضال ومقاومة، بل النضال لأجل الحريّة تاريخيًا يسبق، في تحقّقه، بناء مؤسسات الدولة بعقود طويلة. ولهذا، نضال الفلسطينيين على الأرض، ومقاومتهم مماطلة السلطة بإنهاء الاحتلال، يعنيان رفضًا حقيقيًا لأي تنازلات سياسية، قد تقبل بها القيادة الفلسطينية، على حساب الشعب وقضيته، كما حصل في اتفاقية أوسلو. وحدهم الفلسطينيون اليوم لديهم القدرة على فرض نضالٍ جديد، لا يقبل بالمفاوضات ولا بالتسوية السلمية، فقد حان الآوان لدفن حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، والبحث عن خيارات تقدمية تضمن للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره.
لتحقيق ذلك، عملت السلطة الوطنية الفلسطينية على مدار عامٍ على تقديم طلبات لرفع مستوى العضوية في الأمم المتحدة، وعقد لقاءاتٍ ومؤتمرات دولية، مستخدمة بذلك مسار المجتمع الدولي حاضنة لأي تفاهماتٍ سياسية تعود بها إلى المفاوضات مع الإسرائيليين. وهذا ليس جديدا، لكنه تعزّز أخيرا، حتى أضحت الخطوات الدبلوماسية شرطًا للمضي في أي تحرّك سياسي خارجي، ينعكس بدوره على مسارات عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية في سبيل إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية.
بالترتيب الكرونولوجي، عوّلت السلطة الفلسطينية مطلع العام على مؤتمر باريس الدولي للسلام، ثم فتحت الباب لأول لقاءٍ مع مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، لعقد اتفاق سلامٍ تاريخي. ثم نسقت مواقفها وجهودها للمرحلة المقبلة مع ملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في منطقة البحر الميت في الأردن، وتلا ذلك حصولها على قرارين دوليين بخصوص القدس في منظمة الأمم المتحدة التربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتأكيد حل الدولتين في برلمان الاتحاد الأوروبي. وفي النصف الثاني من العام، اهتمت السلطة الفلسطينية بزيارة الرئيس ترامب، ومبعوثيه لعملية السلام في المنطقة، وقُبِلَت عضويتها في منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول). وبعده اصطدمت بضغوط أميركية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، قبل أن تتراجع الأخيرة عن القرار، وإقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يخفض المساعدات الأميركية (300 مليون دولار) وقرار الرئيس الأميركي، إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها.
تحظى الدبلوماسية بأهمية قصوى لدى البيت الداخلي للسلطة الفلسطينية، حتى باتت عنصرًا محوريًا على طريق "أيدولوجيا بناء الدولة" على حساب التحرّر، وهذا نوعٌ من الإمكانات السياسية، للحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم الإقليمي والدولي، والتنقل بين عواصم الدول العربية والدولية، ومحاولة الالتقاء بأطرافٍ سياسية، على اختلاف مصالحها مع السلطة الفلسطينية. فعليًا، ترى السلطة أنها حققت إنجازًا دبلوماسيًا بانتقالها إلى مرحلة "الدولة" منذ 2012، عندما حصلت صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، إلا أن ممارسات "الدولة الدبلوماسية"، والمحكومة بمعاهدات واتفاقات دولية عديدة، أكدت أنها خطوة رمزية أكثر من كونها مؤثرة. ورغمًا عن ذلك، أمعنت السلطة الفلسطينية في التعويل على العمل الدبلوماسي والقانون الدولي طريقا للحصول على الدولة.
يعود تفسير مظاهر صفة "الدولة الدبلوماسية" بنا إلى تناقضات الدبلوماسية الفلسطينية، كوقف التحرك إثر الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، المعطلة بقرارٍ من السلطة الفلسطينية، والتأخير في تقديم شكاوى للمحاكم الدولية بقضايا جرائم الحرب الإسرائيلية، وبناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري. ولهذا تبدو السلطة غير مستعدة للاستفادة من الإجراءات القانونية الدولية، أو أنها غير قادرة على تحمل أي تبعات لتقييد سلطتها على الأرض، وخفض قيمة المنح والمساعدات الدولية، أو حتى منع القيادة الفلسطينية من السفر خارج الضفة الغربية. ولأن السلطة الفلسطينية، تحت ستار أيدولوجيا بناء الدولة، باتت تعاني ضعفًا في شرعيتها، في ظل سيناريوهات التسوية المطروحة، فإنها لن تتمكّن من حل إشكالية الدولة. ولهذا، هي تخدع نفسها والفلسطينيين تحت ستارة "الدولة الدبلوماسية"، من أجل تثبيت سلطتها.
في نهاية العام الماضي، صوّت مجلس الأمن الدولي على قرارٍ بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، واعتبرته السلطة الفلسطينية إنجازًا دبلوماسيًا بكسب موقف الولايات المتحدة لامتناعها عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد إدانة ممارسات الاحتلال، إلا أن المؤشرات تفيد بأن إسرائيل في 2017 كثفت توسيع المستوطنات والوحدات السكنية في الضفة الغربية المحتلة، وبمعدلات تقارب التوسع الاستيطاني في العام 2016، التي سجلت معدلات أعلى بنسبة 40% مما كان عليه في 2015، التي تعد ثاني أعلى معدل نمو استيطاني منذ 2001.
لهذا، فإن استمرار الوضع القائم، أي اعتبار سلطة الحكم الذاتي نفسها "دولة"، تمارس مهامها الداخلية والخارجية وفق قرارات دولية، يشكل منفعةً رئيسية للمحتل، حيث يمكّنه ذلك التربح من فاتورة الاحتلال من دون مجابهة الاحتلال نفسه. وبالتالي، تبقى إسرائيل غير مهتمة بشكل حقيقي بالمسارات السياسية الدولية، في حال بقيت في إطار الوضع القائم، حتى لو كانت تلك القرارت والمعاهدات ملزمة دوليًا، فالأساس في القانون الدولي يكمن في المعاملة في المثل. وفي حال فشلت السلطة في حماية الاحتلال العسكري القائم، وتخلت فعليا عن التنسيق الأمني، تصبح سلطات الاحتلال تسعى إلى البحث عن تسوياتٍ أخرى، لها علاقة بتغيير صفة هذه السلطة، وطرح صيغ حل جديدة. وبهذا، بقصد أو بدونه، تصبح السلطة الفلسطينية عبر المسارات الدولية تساهم في إطالة أمد الاحتلال.
شكّل إعلان ترامب بشأن القدس صفعةً حقيقية للسلطة الفلسطينية ودبلوماسيتها ومشروعها السياسي، فالسلطة التي ترى في قرارت الأمم المتحدة والقانون الدولي أساسًا في حكم الفلسطينيين، أضحت، بعد القرار، غير قادرةٍ على حماية مشروعها ودولتها الدبلوماسية. ولهذا تسبّب إعلان ترامب في إرباكها على المستويين، الداخلي والخارجي. أميركيًا، جاء الإعلان بمثابة تعبير حقيقي عن انزياح الإدارة الأميركية باتجاه المعسكر اليميني في إدارة ترامب، وتعبيرًا عن استغلال الرغبة الجامحة لدى بعض الأنظمة العربية لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، خصوصًا أن ترامب يسعى إلى تحقيق أي نصر لدى الأوساط اليمينية، ينقذه من تراجع شعبيته الداخلية، بسبب التحقيقات الداخلية والمشكلات التي تعاني منها إدارته.
فلسطينيًا، أدرك الرئيس محمود عباس أن أزمة الفراغ في إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوجه الأميركي الجديد، وعدم قدرته على حماية المصالحة الفلسطينية من الانهيار بسبب الخلاف على قضايا الأمن وسلاح المقاومة في غزة، أضحى تهديدًا حقيقيًا له ولمشروعه السياسي بحل الدولتين. في المقابل، تكمن الأزمة في إصراره على أن الرد الفلسطيني على كل هذه الأزمات الداخلية يكون بالبحث عن رعاية جديدة للحل السياسي غير الولايات المتحدة.
بشأن القدس، تستطيع الولايات المتحدة الأميركية، وبالشراكة مع دول إقليمية، أن تمضي في مشروعها السياسي، وتفرض خياراتها على الفلسطينيين وعلى حلفائهم من الدول. ويبدو أنها استنتجت أن استمرار الاحتلال ليس عائقًا أمام الولوج في تسوية سياسية، تقوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك يعني أن المقاربة الخاصة بانتهاء دور أميركا وسيطا في الصراع غير ذات صلة بإنهاء الاحتلال، بل مرتبطة بانتهاء دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية. فضلًا عن ذلك، أدركت أن السلطة الفلسطينية وحدها غير قادرة في الدخول في تسوية سياسية
في المقابل، ليست الدولة الدبلوماسية التي تصر عليها القيادة الفلسطينية وهمية بهذا الشكل، فهي قادرة على حماية الاحتلال، فالهاجس الأمني لإسرائيل أضحى غير مرتبطٍ بإنهاء الاحتلال، بل بتسوية العلاقات مع الدول العربية. ولتحقيق ذلك، تخصص السلطة قرابة مليار دولار من موازنتها السنوية للقطاع الأمني، في مقابل 200 مليون دولار لسفاراتها وموظفيها ذوي الرتب العالية. وعليه، فإن القرارات المرتبطة بتصويت الدول بشأن القضية الفلسطينية لا يمكن اعتبارها نجاحًا دبلوماسيًا لإنهاء الاحتلال، بل هي موقفٌ أخلاقيٌ للمجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ما يحصل مع الفلسطينيين أن حركة تحرر وطني، لم تنجز مشروعها التحرّري، تحولت لتصبح سلطةً بلا سلطة، تسعى إلى إنهاء الاحتلال وبناء دولتها، وترى في ظل فوضى خياراتها أن الدولة الدبلوماسية أوْلى من التحرّر. فعليًا ما لا تدركه السلطة الفلسطينية أنه لا حريّة بدون نضال ومقاومة، بل النضال لأجل الحريّة تاريخيًا يسبق، في تحقّقه، بناء مؤسسات الدولة بعقود طويلة. ولهذا، نضال الفلسطينيين على الأرض، ومقاومتهم مماطلة السلطة بإنهاء الاحتلال، يعنيان رفضًا حقيقيًا لأي تنازلات سياسية، قد تقبل بها القيادة الفلسطينية، على حساب الشعب وقضيته، كما حصل في اتفاقية أوسلو. وحدهم الفلسطينيون اليوم لديهم القدرة على فرض نضالٍ جديد، لا يقبل بالمفاوضات ولا بالتسوية السلمية، فقد حان الآوان لدفن حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، والبحث عن خيارات تقدمية تضمن للشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره.
مقالات أخرى
28 يناير 2022
14 مايو 2021
21 ديسمبر 2020