لماذا لن تتبع السعودية الإمارات في خطوتها؟
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
صمت مجلس الوزراء السعودي عن خطوة الإمارات إقامة علاقات كاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يعلق عليها، تماما كما صمت الرئيس التونسي، قيس سعيّد، صاحب مقولة "التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة عظمى". وهذا يعني أن البلدين، بالنتيجة، أخذا الموقف العلني ذاته، بمعزل عن السرائر والنوايا، وقد يكون الصمت في تونس أقرب إلى الرفض، وفي السعودية أقرب إلى الموافقة، وهذا لا يغير من النتيجة كثيرا.
لا يعني هذا أن السعودية لم تقطع شوطا بعيدا في التطبيع السري، من دون الاتفاقية العلنية، وهو لا يقل سوءا عنها، فما يظهر على منصّات التواصل، وما ينشر في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، لا تقرأه في أشد الصحف الصهيونية تطرّفا من تحقير لفلسطين، وإنكار لوجودها، وازدراء للفلسطيني ومن يقف معه، وذلك قطعا ليس موقف الشعب السعودي، ولا البيروقراطية السعودية تاريخيا.
التطبيع الفظيع هو الذي تقيمه مجموعة ولي العهد، محمد بن سلمان، وهو الذي يقف على رأسها، ويؤمن لها الحماية والرعاية والدعم. وهو يعتقد أن التطبيع، ولو سرّيا مع الصهاينة، هو ما يؤمّن وصوله إلى عرش المملكة. وقد تأكّد من ذلك بالتجربة العملية، فقد وجد دعما مطلقا من الصهيوني المتطرف في البيت الأبيض، كوشنر، في انقلابه على الأمير محمد بن نايف، وفي إعفائه من المسؤولية في جريمة اغتيال جمال خاشقجي، ومداراة حماقاته كمحاولة غزو قطر، واعتقال أمراء وناشطين.
أكثر مما نشر في وسائل الإعلام عن اتصالات ووساطات، تؤكد مصادر عليمة اتصالاته بالإسرائيليين، وكان ميناء إيلات، قبل "نيوم" مسرحا للقاءات السرية، ثم صار من مزايا "نيوم" واليخت العائم القرب من المسوؤلين الإسرائيليين في إيلات. والرجل، خلافا لوالده والبيروقراطية السعودية، مندفعٌ لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فأقرب مستشاريه، سعود القحطاني، الذي تولّى استيراد أجهزة التنصّت، لم يكن يشتري "أون لاين". كانت المشاورات مطولة والتدريبات والمناورات الإلكترونية المشتركة تتم بعلم ولي العهد واطلاعه ومشاركته.
ما يكتبه ضباط سعود القحطاني يعبر بدقة عن كراهية شديدة للهوية العربية الإسلامية، والقضية الفلسطينية، وتم تركيب بديل عنهما من خلال شوفينية وطنية وقبلية متعالية، مبهورة بالصهيونية ومروّجة روايتها، وهو ما يذكّر بالبدو الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلي، فحسبوا أن سرايا الجيش الإسرائيلي هو أفواج قبيلتهم في غزواتها.
لا يعبر المستعربون وقصاصو أثر الجيش الإسرائيلي عن البدو تماما، كما لا يعبر أرامل سعود القحطاني عن السعوديين، لكنهم موجودون في حمى الحاكم الفعلي، وقد يحتلون الصف الأول إن رحل الملك سلمان.
حتى الآن، يتفق محمد بن سلمان مع والده في أن الوقت لم يحن للتطبيع العلني، فقد صدم الجميع في بلدٍ يسكن في "تويتر"، وتنفق الدولة ميزانية ضخمة على التحكم فيه، بصعود وسم (هاشتاغ) #التطبيع_خيانة إلى المرتبة الأولى في السعودية في يوم الإعلان عن الخطوة الإماراتية، وفي اليوم التالي #خليجيون_ضد_التطبيع. ومن وقفوا مع الإمارات عواجيز يتسكعون في فنادقها، في حين تصدّى الشباب لحملة التطبيع.
تدرك البيروقراطية السعودية والملك سلمان أن لا مصلحة للسعودية في اللحاق بالإمارات، وأن الحفاظ على مكانة السعودية ومصالحها يتطلب أن تظل جزءا من الإجماع العربي، وأن مبادرة السلام العربية لم تنته تماما، وتظل ورقة مهمة بيد السعودية أمام العالم، فهي القوة المعتدلة التي تسعى إلى الاستقرار في المنطقة في مواجهة إيران. وبقدر ما أن الملك سلمان مستلبٌ لابنه المتعطّش للسلطة، فإنه لا يستطيع الفكاك من تاريخه، فهو قد تطوّع للقتال في حرب 1956، ويظهر في تسجيلات الملك فيصل التي يتمنى فيها الشهادة في القدس كالمرافق الشخصي له. وهو لا يريد أن يدخل التاريخ بوصفه الملك الذي أدخل اليهود إلى أرض الحرمين، قد يكون ذلك وصف ابنه من بعده!
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.