مع أن المساحة المخصّصة لعرض الأعمال الفنية، لوحات ومنحوتات وخزفيات، متواضعة نسبياً، إلا أن تنوع المعروضات وجنسيات الفنانين المشاركين، عرباً وأجانب، جعل من قاعة العرض الخاصة بالدورة السابعة من "صالون بوشهري"، الذي يختتم غداً، فضاءً يتخطّى أبعاد المكان الكويتي، ويتّصل بأبعاد زمانية ومكانية متعدّدة.
لدينا هنا أسماء فنانين بارزين من وزن فاتح المدرّس وأمين الباشا وعبد الوهاب العوضي وأدهم إسماعيل وصلاح المليجي وآخرين، بعضهم من خارج المكان العربي.
أي سمات لهذا المعرض السابع؟ أو هل يمكن ملاحظة سمات مشتركة بين أعمال متنوّعة بين لوحات زيتية وتخطيطية، ومنحوتات نحاسية وخشبية وأعمال من الخزف، وأخرى تجمع بين أكثر من مادة، فتبدو تجميعاً عشوائياً لأخشاب وجلود ومختلف المواد؟
إذا نظرنا عن قرب، سنقرأ ملامح حداثية في كل هذه الأعمال، ظاهرها وباطنها، بلا تمييز بين رسم ونحت وخزف. ويمكن القول، ببساطة، إن رأس هذه الحداثة يتمثل في غياب المنظور التقليدي أو الكلاسيكي في المشهور من القول، فهنا شيء من المنظور التكعيبي الذي يبدو فيه الفنان وكأنه يدور ويواصل الدوران حول جسد ما بلا استقرار، وهنا المنظور التجريدي الهندسي الذي تنشغل فيه العين بملاحقة مساحات ملوّنة أو ذات ألوان متقاربة تنتظم أحياناً ولا تنتظم في أحيان أخرى، وهنا مزج بين التشخيص والتجريد، كأن الفنان يودّ نيل استحسان بعض من أفراد الحي الذي خرج منه وزملاء الدراسة ورواد المعارض القادمين من دراستهم في العواصم الغربية، في آن واحد.
أمين الباشا / لبنان (من أعمال المعرض) |
كل هذا صحيح، ولكن ما يجتذب النظر هو أن أي مُشاهد على حظ قليل من المعرفة بتاريخ الفن، الغربي منه بخاصة، لن تفوته ملاحظة أن بصمات عدد من الفنانين الغربيين، ثقيلة أو خفيفة أحياناً، تظهر هنا وهناك.
مثلاً، من يمر بلوحتين لـ عفيفة لعيبي يلفت انتباهه تكوينات الفنان الفرنسي هنري روسو الواضحة. أيضاً لا يمكن الالتقاء بهدوء وبساطة ألوان أعمال أمين الباشا دون تذكّر ماتيس، والأكثر إثارة، من لا يشعر أن هذا الوجه الشبيه بالقناع في لوحة غادة الكندري، الخارجة على ما هو سائد في الوسط الكويتي كما كتبوا في دليل المعرض، وهذا الكائن الشبيه بالغوريلا في لوحة سبهان آدم، الذي يحتفى به هناك في الأوساط الغربية، ينتآن في الذاكرة فجأة ويتراجعان في الزمن، إلى أن يصلا إلى حركة "دادا" في نسختها الألمانية وفنانيها من أمثال جورج كروتش وأوتو دكس؟
عمل هذين الفنانين، الكويتية والسوري، يوقظ في الذهن تلك الصورة التي التقطها أحدهم لـ "دادا" الألمانية، فهي حركة رفضت التراث الفني كله، إلا أنها اصطدمت بموروث قديم؛ بفكرة أن المجتمع الإنساني يشبه سفينة حمقى، تبحر وقد اكتظّت بمسافرين من شتى الأنواع والطبقات والمهن، ومحكوم عليهم أن يبحروا بلا أمل في الوصول إلى أي ميناء.
نتساءل: هل هذه الرؤية مستمدة من العيش في هذا العصر العربي، أم هي مستمدة من العيش في لوحات أصبحت في متناول أي راغب؛ في المتاحف والصحف والكتب؟ صحيح، لم يعد هناك وجود لأمثال موندريان وكاندنسكي وبيكاسو وبراك ورينوار ودالي، إلخ، في معارض الفنانين العرب، كما كان الأمر في الشطر الأعظم من القرن العشرين، ولكن بعض الفنانين، كما يلاحظ الزائر، يبدو فرحاً كما لو أنه اكتشف النار للمرة الأولى.
مع ذلك، هناك، في الوسط الفني العربي، من يواصل نزعة إنتاج فن يتميز بالأصالة، أعني إنتاج فن دال على شخصية صاحبه وعلى شخصية ثقافة تعيش في هذا العصر، فن يشتق من تراب الوطن أجمل الألوان لأنه، كما قال فنان بولندي مهاجر لفنانين في بغداد إبان الحرب العالمية الثانية، من عمل فنان يحب وطنه.
عفيفة لعيبي / العراق (من أعمال المعرض) |