"لو تعرف ما قاسيتُ لبكيتَ من أجلي" كانت هذه إشارةً من صديقٍ راحل، إلى تلك السنواتِ التي أعرفُ كم هي مؤلمة، حين تلتصق بجلدكَ أسلاكُ المخيمات، وتعلق بين حالتين؛ حالة الحياة في الموت وحالة الموت في الحياة.
سنواتُ الفلسطيني تلك لا يقاربها نصٌ من رواية، ولا تتقطر دماً في قصيدة مهما تمعّج شاعر أو تباكى.
سنوات الفلسطيني تلك أغنية لم يغنّها أحد حتى الآن.
سيكتب الكثيرُ من المنتحلين عنه وعنا جميعاً، وسيبارك أصحابُ المنابر هذا أو ذاك، وستضجّ القاعات بالتصفيق ويوزّع أكثر الشعراء صفاقة الورودَ على المبهورين، إلا أننا سنبقى علامات ضائعة لا تجد سبيلها إلى معنى مثلما لا يجد شريدٌ سبيله إلى وطنه.
سنبقى ترانيمَ أمهات لم تعد تُسمع، وحسراتٍ تتجوّل يشهدها شارعٌ ربما أو ساحلُ بحر أو مشربٌ أو حديقة وحيدة.
نقول في عزلتنا ما نقول، ونتابع بعين الخيال أشباحَنا وهي ترحل دائماً من بيتٍ إلى بيتٍ ومن عاصمة إلى أخرى. يرثي بعضنا بعضاً، ونجد أو لا نجد وقتاً للبكاء على الأصدقاء الذين فقدناهم عند بوابة فجر أو تحت شمس ظهيرة أو ذات أمسية.
نحن الأغنية التي لم يغنّها أحد حتى الآن، ولم يسمعها أحد.