تغيب جائزة نوبل للأدب هذا العام عن احتفالية الأكاديمية السويدية السنوية التي بدأت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. والأمر ليس مفاجئاً، وإنما سبق لرئاسة الأكاديمية أن أعلنت أنها ستؤجل منح تلك الجائزة تحديداً للعام المقبل، في بيان لها في مارس/ آذار الماضي. لكن أسباب التأجيل لا تشبه سابقاتها عبر السنوات الماضية، لأنها غير عادية وأوجبتها مستجدات "أخلاقية" تتعلق بفضيحة تحرش جنسي واغتصاب، وبسوء الممارسة المالية، والتسريبات المتكررة لأسماء مرشحين أو فائزين.
وأبرز أسباب تأجيل جائزة نوبل للأدب لعام 2018، الذي أعلنت عنه الأكاديمية السويدية مطلع مارس/ آذار الماضي، كانت الهزة العنيفة التي عصفت بها وشوهت صورتها التاريخية، نتيجة ظهور اتهامات بالتحرش الجنسي والاغتصاب وجّهتها نساء ضد الفرنسي جان كلود أرنو إلى العلن، وهو الذي يدير منتدى ثقافياً تموله الأكاديمية، ومتزوج من عضوة الأكاديمية الشاعرة والكاتبة كاثرين فروستنسون.
ونفى أرنو الاتهامات، لكن تداعيات الفضيحة تسببت باستقالة العديد من الأعضاء، بمن فيهم زوجة أرنو، ورئيسة الأكاديمية سارة دانيوس.
وأعقب الفضيحة بيان أصدرته أكاديمية نوبل السويدية عبر موقعها الإلكتروني، أشارت فيه إلى "إنها تحتاج إلى وقت لاستعادة الثقة بعملها، وإشراك عدد أكبر من الأعضاء النشطين، قبل الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للأدب"، وتأجيلها إلى عام 2019. وذهب مجلس الأكاديمية إلى القول: "ثقة الأكاديمية بعد هذه الفضيحة تعرضت لأضرار بالغة. يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لاستعادة هذه الثقة التالفة".
وجاءت فضيحة أرنو ضمن حركة #MeToo العالمية التي خلفت فضائح واسعة طاولت فنانين وأكاديميين وسياسيين وأحيل بعضهم للتحقيق والمحاكمة. وبدأت طلائع الحملة المذكورة في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 مع فضح أعمال تحرش واغتصاب ارتكبها المنتج الهوليودي هارفي وينستين.
ووصلت تردداتها إلى جان كلود أرنو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حين نشرت الصحيفة السويدية "داجنس نيهيتر" ادعاءات تفصيلية من 18 امرأة اتهمن أرنو بالتحرش الجنسي والاعتداء الجسدي على مدى أكثر من 20 عامًا، في فرنسا والسويد، بما في ذلك استغلاله أموال الأكاديمية.
وتعرضت الأكاديمية لادعاءات من نوع آخر، تمثلت بالشكوك حول تسريب أسماء فائزين بجائزة نوبل، وتضارب مصالح، أدت إلى تصدع في اللجنة. وفي سياق تحقيق الصحيفة السويدية، أشارت إلى أن أرنو وزوجته أدارا لسنوات عديدة المنتدى في استوكهولم، ونظما فيه المعارض والقراءات لشخصيات ثقافية بارزة، بمن فيهم الحائزون على جائزة نوبل. ولفتت إلى أن المنتدى الذي أغلق بعد الفضيحة كان يموّل جزئياً من قبل الأكاديمية، ما تسبب في ادعاءات بتضارب المصالح.
كذلك ذكرت أن تحقيقًا داخليًا أجرته الأكاديمية توصل إلى أن أرنو سرب أسماء سبعة من الحائزين على جائزة نوبل للأدب مقدمًا، مقابل رهانات، منها اسم بوب ديلان في عام 2016 وهارولد بينتر في عام 2005.
وسبق للمدير التنفيذي لمؤسسة نوبل، لارس هايكينستين، أن أوضح لصحيفة "فايننشال تايمز"، في يوليو/ تموز الماضي، أن "الهيئة التي تتحكم في تمويل الجوائز وتنظم الاحتفالات، يمكن أن ترفض الدفع للفائز إذا لم تقم الأكاديمية بإجراء تغييرات كافية". وتابع "لا يمكننا أن نطالب الهيئة المسؤولة عن تمويل الجائزة داخل الأكاديمية بالمضي بمهامها، بدون توفير الثقة المعقولة بقرار لجنة الجائزة".
هذا الجانب من الصراع أشار إليه المدير التنفيذي للأكاديمية في المقابلة الصحافية ذاتها، مشيراً إلى أنه "لم يقف الأمر عند عدم تفاعل الأعضاء بطريقة سليمة أو جيدة، لكنهم أيضا بدأوا في القتال بعضهم مع بعض. هذا يدل على بعض نقاط الضعف المتأصلة في هيكل الأكاديمية".
وظلت طريقة اختيار الأكاديمية للفائز بجائزة الأدب مبهمة لعقود. ففي شهر فبراير/ شباط من كل عام، يراجع أعضاء الأكاديمية نحو 200 ترشيح، ويشكلون قائمة مختصرة بحلول شهر مايو/ أيار، ثم يستقرون على خمسة مؤلفين في لائحة المنافسة النهائية على الجائزة خلال الصيف، بحسب صحيفة "ذي غارديان".
يشار إلى أن أكاديمية نوبل التي تأسست عام 1786 سبق لها أن أجلت منح جوائز لها سبع مرات في الأعوام 1915 و1919 و1925 و1926 و1927 و1936 و1943.
وذكرت الأكاديمية في بيان: "في تلك السنوات تأخرت الجائزة، ثم منحت في وقت جائزة العام التالي". وآخر مرة ألغيت جائزة نوبل كانت في عام 1943، خلال الحرب العالمية الثانية. لكن أموال الجائزة حجزت حتى السنة التالية.
يشار إلى أن الأكاديمية أعلنت عن الفائزين بجائزة نوبل للطب في الأول من أكتوبر الجاري، ونالها كل من الطبيبين الأميركي جيمس بي أليسون، والياباني وتاسكو هونجو. كذلك سمّت الفائزين الثلاثة بنوبل للفيزياء في الثاني من أكتوبر الجاري؛ وهم الأميركي آرثر آشكن، والفرنسي جيرار مورو والكندية دونا ستريكلاند. أما جائزة نوبل للكيمياء فصدرت نتائجها أمس الأربعاء ونالها كل من الأميركيين فرانسيس أرنولد، وجورج سميث، والبريطاني السير جورجي .ب.وينتر.