لولا "المنظّفون" لكانت الأمور أسوأ

05 ديسمبر 2018
المخرجان هانز بلوك وموريتز ريزفيك (فيسبوك)
+ الخط -
يحدث أحياناً أن يضيف مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي صورة أو تسجيل فيديو، ثم بعد وقت قليل يُحذف المعروض بسبب "محتوى عنيف أو جنسي". الذين يحذفون هم "مراقبو المحتوى الإلكتروني"، أو "منظّفو قمامة إنترنت" كما يوصفون في الأوساط التقنية. 
عن هؤلاء تحديدًا، تدور أحداث الفيلم الوثائقي الألماني The Cleaners (2018) لهانز بلوك وموريتز ريزفيك، الذي يُقدِّم نظرة مقرّبة ومؤلمة عن العصر الحالي، أكثر تعقيداً بكثير مما يظنّه المرء للوهلة الأولى.

يتحرّك الفيلم بين 5 شخصيات رئيسية من دول مختلفة، يجمعها عملهم كـ"منظّفين" للمحتوى في "سيليكون فالي" (شركات تقنية)، بالإضافة إلى شهادات ـ يظهر بعضها على الشاشة ـ لشخصيات لا تظهر في الفيلم بسبب طبيعة عملها التقني أو السياسي، وعدم قدرتها على كشف معلومات.

خطوطٌ كثيرة يتحرّك بينها الفيلم، لكن همّه الأول منذ البداية يكمن في ما يلي: يتوجّب على كلّ واحد من هؤلاء المراقبين مُشاهدة 25 ألف صورة أو شريط فيديو يوميًا من العالم كلّه، للتأكّد من "نظافة إنترنت". لذلك، هم "يُلطّخون" أنفسهم بعشرات أو مئات الصور ذات المحتوى العنيف، فيُصبح هذا جزءًا من نشاطهم العادي وحياتهم اليومية: مذابح جماعية، وأجساد مبتورة، وانتهاك جنسي للأطفال، إلخ. النتيجة الطبيعية لهذا: ضرر نفسي كبير يُصابون به.
أحد أسباب التقدير الكبير الذي ناله الفيلم منذ عرضه الأول في مهرجان "ساندانس"، قدرته على تجاوز المحتوى التحقيقي والصحافي الخاص بهذا العالم الخفي لأشخاصٍ يراقبون العالم عبر شاشاتهم الإلكترونية. وهو يذهب إلى نقطة أبعد لخلق تورّط إنساني مع شخصيات لا يُعرف عنها شيء، باستثناء عملها وتأثير العمل عليها. يحاول الفيلم وضع المشاهدين مكان هؤلاء، حين يعرض مقاطع ذات محتوى عنيف، وبعضها حاصل على شهرة بسبب محتواه السياسي، كغرق سوريين على شواطئ أوروبية هربًا من جحيم الحرب، أو لقطات محذوفة من المواقع الاجتماعية فور بثّها لعنفها الشديد، كالتمثيل بالجثث أو فعل القتل أو الانتحار.

لقطات مختارة كهذه تؤثّر بقوة في ذوات المشاهدين. لذلك، عند العودة إلى الشخصيات الـ5 الرئيسية، يحدث شعور بصدى سؤال غير منطوق عن أثر هذا على تلك الشخصيات التي تشاهده يوميًا كجزءٍ من العمل، من دون قدرة على الفرار منه.

لا ينحاز مخرجا العمل بلوك وريزفيك إلى وجهة نظر محدّدة، في تجاوز الضرر النفسي الواقع على "المنظّفين". حتى عند الوصول إلى أقصى درجات المأسوية، مع سرد قصّة أحد المراقبين الذي انتحر بعد فترة طويلة من الأرق والانهيار النفسي نتيجة المواد التي يشاهدها، فإن الفيلم لا يسأل ولا يبحث عن حلٍّ للمسألة، بقدر ما يتّخذ رؤية بانورامية لشخصياته وللعالم الذي تعيش فيه اليوم، وهو حتمًا ليس الأقسى قياسًا إلى أوقاتٍ تاريخية أخرى قريبة (كالحرب العالمية الثانية)، أو أبعد (القرون الوسطى). لكنه عصر أتاح قدرة لا تقارن بما سبق على التصوير والنشر والتعامل مع تلك القسوة يوميًا. لذا، لولا "المنظّفون" لكانت الأمور أسوأ.
المساهمون