لوقت طويل، ظننت أنّ كل الناس تغنّي وتعزف الموسيقى. مع الوقت عرفت أنّ الأمر ليس بهذه السهولة للأسف، ويحتاج لتدريب وتمرين، وتعب صغير أو كبير، وفقاً للطموح.
في المدرسة، كانت الموسيقى، بنفس جودة التعليم تحديداً. وبياعو الخضار والصحف الذين يمرّون من تحت بيتنا، كانوا يغنّون.. وفي الشارع موسيقى تشبه كل تفاصيله الصغيرة. وكذلك بالنسبة لكل قهوة أو سوق أو مطعم فاخر بعدد نجوم المجرات. هنا أيضاً ستجد موسيقى، لكن من تلك المكلفة والغالية.
ببساطة يستحيل وجود أي مكان أو مساحة من دون موسيقى، أو سكون يأتي قبلها. السكون كما الموسيقى.. تحديداً.
المكانان الوحيدان اللذان دخلتهما ولم أجد فيهما موسيقى كانا: الاستديو الفارغ تماماً من أي صوت بانتظار الموسيقى التي ستملأ فضاءه، و... المقابر. هنا فقط لا وجود للموسيقى.
الإحساس الذي يجتاحني في الاستديو قبل الموسيقى هو نفسه الذي أحسّ به في المقابر، بعد دفن شخص عزيز، ومغادرة الناس لمنازلهم وحياتهم.
غياب الموسيقى يعني الموت... أقلّه بالنسبة لي. الموسيقى تشرح نفسها، أبلغ وأوضح من كل الكلام. وأحياناً كثيرة تعجز عن إيجاد كلمات لهذا الموقف أو ذاك، فتجد موسيقى معيّنة اشتغلت تلقائياً في رأسك. موسيقى تشبه الموقف الذي يرفض أن يُترجم بكلام أو شرح.
قبل 4 سنين بالضبط، كانت محمد محمود: كان صوت المدرعات والخرطوش والرصاص والضرب... "مزيكا". وصوت الحجارة والهتاف والضرب على الحديد... "مزيكا".
"هارموني" غير متفق عليها والطرفان أصلاً ضد بعض. صنعوا بمواجهتهم "ساوند تراك" أو قطعة موسيقية مع بعض. نعم كل قطعة أو "تراك" كانت تنتهي بجثة، بعين تنطفئ، لكنها موسيقى، تشبه المشهد العام. من قال أصلاً إن الموسيقى للفرح فقط؟ ما كان يدور على الأرض بشع ومؤذ ومهلك، فلا يمكن لموسيقاه ونهايته إلا أن تكون بشعة ومؤذية ومؤلمة.
طيب، قبل أيام، أقيم حفل للموسيقي ياني في مصر. كان سعر البطاقة 3000 جنيه (400 دولار تقريباً) فقط لا غير! فكرة واحدة كانت تدور في رأسي: في حال دفعت 3000 جنيه، هل سأعرف بعدها حضور حفلات تذكرة دخولها 25 جنيها؟ طيب ماذا لو ذهبت إلى حفلة "ياني" ولم أنبسط، لن أتمكّن من حضور أي حفلة أخرى حتى آخر الشهر على الأقل. للحظة اتضّحت الأمور: "بلاش الواحد يتعود ع الموسيقى "الغالية"، عالأقل في السن ده".
اقرأ أيضاً: (فيديو وصور) "الشمس مش بعيدة":أغنية جديدة لأسامة الهادي والفرقة