تفسيرات عدة قدمت لخطوة الاستقالة، أكثرها أهمية يرتبط بتوتر علاقته مع الحوثيين بعد انسحابهم الشكلي من ميناء الحديدة، وما تردد عن تردّي علاقته مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وهو ما قد يفسر التخبط الأممي في التعاطي مع التسريبات الإعلامية بشأن استقالة كاميرت، بلغت حد نفي المعلومة قبل أن تتبيّن صحتها.
ويبدو أن غريفيث، الذي يصرّ على تطبيق تفاهمات استوكهولهم، تحديداً ما يتعلق بالحديدة، لم يمانع "التضحية" بالجنرال الهولندي الذي تعرض موكبه لإطلاق نار في الحديدة من دون أن يصدر موقف أممي حاسم تجاه الحادثة، مقابل عدم المخاطرة بمحاولة إقناع كاميرت بالبقاء في منصبه وتعقيد التواصل مع الحوثيين على الأقل في الوقت الراهن. لكن ذلك لا يعني ألا يستعد لمرحلة مقبلة قد تتطلب نهجاً آخر من التعاطي مع الوضع في الحديدة، مع ما يستدعيه هذا الأمر من تغييرات لا يستبعد أن تطرأ على طبيعة عمل بعثة المراقبين، وهو الأمر الذي بدأت مؤشراته تظهر في مضمون القرار 2452 الذي تبناه مجلس الأمن قبل نحو أسبوعين، قبل أن يعزز طرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اسم الجنرال الدنماركي المتقاعد مايكل لوليسغارد على أعضاء مجلس الأمن الـ15 للموافقة عليه أو رفض تسميته خلفاً لكاميرت، من هذه الفرضية.
ولا يتوقع أن يواجه لوليسغارد صعوبة في نيل موافقة أعضاء مجلس الأمن، في حين أن موعد بدء توليه منصبه الجديد لا يزال غير محسوم، خصوصاً أن رسالة الأمين العام لم تحدّد تاريخاً لذلك.
ويمتلك لوليسغارد ما يزيد على 30 عاماً من الخبرة العسكرية المحلية والدولية نتيجة عمله في الجهاز العسكري الملكي الدنماركي منذ عام 1984 وترفعه في المناصب داخل الدنمارك، قبل أن توكل إليه مهمات خارجية عدة في دول عربية وأفريقية، إذ شارك في العمليات الدولية في العراق والبوسنة والهرسك. كذلك سبق له أن شغل منصب مستشار عسكري في البعثة الدائمة للدنمارك لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
لكن الأبرز في مسيرة لوليسغارد داخل الأمم المتحدة تمثل في قيادته قوات الأمم المتحدة في مالي بين عامي 2015 و2016، ليحتل بذلك أحد أرفع المناصب التي تولّاه عسكريون دنماركيون في الأمم المتحدة، الأمر الذي كان محل احتفاء كبير من الساسة الدنماركيين يومها، قبل أن تختاره الدنمارك في 2017 ممثلاً عسكرياً لها لدى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
مع العلم أيضاً أن كاميرت كان يتمتع أيضاً بخبرة عسكرية طويلة بما في ذلك في مناطق النزاع بدءاً من البوسنة والهرسك، مروراً بإثيوبيا وإريتريا وحتى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك داخل أروقة الأمم المتحدة نتيجة قيادته لعدد من برامجها، فضلاً عن توليه العديد من بعثات تقصّي الحقائق والتقييم، لكن كل ذلك لم يمكنه من التعامل مع المشهد اليمني بتعقيداته المتشعبة، ما يطرح تساؤلاً حول إذا ما سيكون خليفته قادراً على ذلك.
على الرغم من صعوبة المهمة التي تنتظره في الحديدة، إلا أن خبرة لوليسغارد السابقة داخل الأمم المتحدة، تحديداً عمله في "بيئة معادية" حيث كان يقود أكثر من 8 آلاف جندي من 40 دولة تابعة للأمم المتحدة في مالي يتعرضون لاعتداءات متكررة، بما في الاعتداءات الانتحارية والكمائن والاستهداف عبر قذائف الهاون، يفترض أن تساعده على التعامل مع الضغوط الميدانية في الحديدة والبقاء في منصبه لفترة أطول من سلفه. مع الإشارة إلى أنه كان ضمن قافلة تعرضت لاعتداء تبناه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مايو/ أيار 2015، وبالتالي لا تشكل المخاطر الميدانية جديداً بالنسبة إليه.
وعلى عكس كاميرت الذي التزم الصمت خلال مهمته اليمنية القصيرة، فإن لدى لوليسغارد تصريحات ومقابلات سابقة تظهر أنه لا يتردد في توجيه الانتقادات العلنية للأمم المتحدة متى ما استدعت الحاجة، بما في ذلك شكواه خلال قيادة بعثة مالي من غياب الدعم الكافي للبعثة وافتقار الجنود إلى التدريب والمهمات الأساسية المطلوبة للوجود في ساحات القتال، ما يحولهم إلى أهداف سهلة للقتل.
وبينما ينظر إلى تعيين لوليسغارد على أنه محاولة من الأمم المتحدة ومبعوثها في اليمن غريفيث لعدم السماح بالعودة إلى نقطة الصفر وانهيار تفاهمات الحديدة، فإن اختيار الجنرال الدنماركي الذي لديه خبرة في قيادات آلاف الجنود وليس مئات المراقبين خلفاً لكاميرت يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد تعديلاً في مهمة بعثة المراقبين الأمميين في اليمن، مع ما قد يتطلبه ذلك من تغيير في تفويضها وعديدها، ووجود شخصية مثل لوليسغارد، الذي خدم ضمن بعثة تولت مهام عدة متشعبة.
ولا يبدو هذا الخيار مستبعداً، لا سيما بعدما تبنّى مجلس الأمن الدولي في 16 يناير/ كانون الثاني الحالي بالإجماع القرار 2452، الخاص بنشر مراقبين تابعين للأمم المتحدة في محافظة الحديدة للإشراف على وقف إطلاق النار. وتضمن تشكيل بعثة سياسية خاصة للأمم المتحدة في اليمن، ولمدة 6 أشهر لدعم اتفاق الحديدة والإشراف على تنفيذه. وبموجب القرار تقرر إنشاء وحدة سياسية خاصة تحت اسم "بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة" (UNMHA)، كي تدعم تطبيق الاتفاق (اتفاق استوكهولم) لمدة ستة أشهر من تاريخ تبني القرار. وبموجب القرار يوكل إلى "بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة" عدد من المهمات هي: قيادة ودعم بعثة "لجنة تنسيق إعادة النشر" (RCC)، التي ترأسها الأمم المتحدة وتدعمها أمانة تتكون من موظفين بالأمم المتحدة والمكلفة بالإشراف على وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات والقيام بعمليات نزع الألغام على نطاق المحافظة. كذلك تتولّى البعثة مراقبة مدى احترام الطرفين لاتفاق وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة والإشراف على عملية إعادة الانتشار المتبادل للقوات من مدينة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى. يضاف إلى ذلك التعاون مع الطرفين من أجل أن تقوم قوات الأمن المحلية بضمان أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى عملاً بمقتضيات القانون اليمني.
كما أن القرار الذي نص على أن تتكون بعثة المراقبين من 75 مراقباً ترك المجال أمام زيادة كبيرة، بعدما نص على أنه رهناً بما ستقرره الجمعية العامة ضمن سياق نظرها في ميزانية البعثة، ستضم في صفوفها موظفين آخرين من ذوي الخبرات الفنية والإدارية والخبرات في مجال الدعم الأمني.