عندما نتذكّر مجزرة قانا، يتبادر إلى أذهاننا شمعون بيريز، وبالمثل عندما نتذكّر صبرا وشاتيلا، يخطر على بالنا شارون؛ وكذلك حين نتذكّر سياسة تكسير عظام الفلسطينيين التي اتخذها رابين منهجاً في الانتفاضة الأولى.
هل كل يجمع هؤلاء أنهم صهاينة ومجرمون ولا إنسانيون؟ ثمة شيء آخر أيضاً، هو لون عيونهم؛ فكلّها خضراء!
يتساءل قارئ: هل للون عيون المجرم أية قيمة؟ أن يكره أحدهم هؤلاء بسبب لون عيونهم لأنه لا يحب العيون الخضراء؛ فهذا أمر يجعل من تجريمهم مسألة غير مهمّة بالنسبة إليه. يشبه هذا المأزق الأخلاقي في التعامل مع قضية الأردني أمجد قورشة.
يشكّل قورشة تجسيداً للنظرة الرجعية تجاه المرأة والعلاقات الاجتماعية والرموز النضالية اليسارية والقومية، ويتضح هذا أكثر من خلال خطابه الديني، واستخدامه لتوصيفات تثير النعرة الطائفية.
وها هو يُعتقل الآن بسبب رأيٍ يتفق معه كثيرون فيه؛ كثيرون من دُعاة التقدميّة والعلمانية والليبرالية. الرأي يتعلّق برفض مشاركة الدولة الأردنية مع "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب" في سورية.
هكذا، فإن قورشة يُعتقل بتهمة سياسية، لا جنائية. الفارق في الحالتين مهم؛ فمن يعتقل بسبب رأيه يحظى، غالباً، باحترام وتأييد من المدافعين عن حرية التعبير الذي سيطالبون بالإفراج عنه.
لكن ما حصل مع الداعية كان عكس ذلك؛ إذ تلقّى اعتقاله تأييداً من أولئك الليبراليين، ودعاة العلمانية، لتصبح صورة الدفاع عن الحياة المدنية، التي يعارضها قورشة، مجرّد رديف لفعل السلطة. بهذا، خسر هؤلاء جزءاً من مصداقيتهم، وكسبَ قورشة بوصفه نموذجاً، لا شخصاً.
توقّف هؤلاء، غالباً، عند عنوان اعتقال قورشة (توقيفه بالأحرى)، ولم يقرؤوا المتن، أو قرؤوه وتجاهلوا ما جاء فيه؛ معتقدين أن السلطة لبّت طموحاتهم، واتّخذت موقفهم منه بجدية.
كيف سيكون مقنعاً، الآن، بأنّنا ضد قورشة ونختلف جذرياً مع نموذجه ولسنا أبواق سلطة في الوقت نفسه؟ ألم يكن هؤلاء يدافعون، قبل أيام قليلة فقط، عن شباب شيوعيين اعتُقلوا بذمة قضايا سياسية أيضاً؟ وها هم اليوم يصطفّون إلى جانب الدولة ويشمتون بـ قورشة، كما سبق له أن فعل وكانوا رافضين لفعله؟
كيف ستُقنع الناس بأنك تريد مجتمعاً مدنياً عصرياً يلفظ قورشة على هامشه؟ كيف سيقتنعون بأنك لا تكره لون عيون قورشة؟
(الأردن)